مَا قَدْ كَانَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا الْمَاضِي وَ مَا قَدْ فَنِيَ فِيهِ مِنْ الْعَرَبِ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ بَلَغَتْ مِنَ السِّنِّ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَبْلُغَ فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا الْيَوْمِ قَطُّ أَلَا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ أَنَّا إِنْ نَحْنُ تَوَاقَفْنَا غَداً إِنَّهُ لِفَنَاءِ الْعَرَبِ وَ ضَيْعَةِ الْحُرُمَاتِ[1] أَمَا وَ اللَّهِ مَا أَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ جَزَعاً مِنَ الْحَتْفِ وَ لَكِنِّي رَجُلٌ مُسِنٌّ أَخَافُ عَلَى النِّسَاءِ وَ الذَّرَارِيِّ غَداً إِذَا فَنِينَا اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي قَدْ نَظَرْتُ لِقَوْمِي وَ لِأَهْلِ دِينِي فَلَمْ آلُ- وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ وَ الرَّأْيُ يُخْطِئُ وَ يُصِيبُ وَ إِذَا قَضَى اللَّهُ أَمْراً أَمْضَاهُ عَلَى مَا أَحَبَّ الْعِبَادُ أَوْ كَرِهُوا أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَ لَكُمْ.
قَالَ صَعْصَعَةُ: فَانْطَلَقَتْ عُيُونُ مُعَاوِيَةَ إِلَيْهِ بِخُطْبَةِ الْأَشْعَثِ فَقَالَ: أَصَابَ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ لَئِنْ نَحْنُ الْتَقَيْنَا غَداً لَتَمِيلَنَّ الرُّومُ عَلَى ذَرَارِيِّنَا وَ نِسَائِنَا وَ لَتَمِيلَنَ[2] أَهْلُ فَارِسَ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَ ذَرَارِيِّهِمْ وَ إِنَّمَا يُبْصِرُ هَذَا ذَوُو الْأَحْلَامِ وَ النُّهَى ارْبِطُوا الْمَصَاحِفَ عَلَى أَطْرَافِ الْقَنَا.
قَالَ صَعْصَعَةُ: فَثَارَ[3] أَهْلُ الشَّامِ فَنَادَوْا فِي سَوَادِ اللَّيْلِ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ مَنْ لِذَرَارِيِّنَا إِنْ قَتَلْتُمُونَا وَ مَنْ لِذَرَارِيِّكُمْ إِنْ قَتَلْنَاكُمْ اللَّهَ اللَّهَ فِي الْبَقِيَّةِ فَأَصْبَحَ أَهْلُ الشَّامِ وَ قَدْ رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ عَلَى رُءُوسِ الرِّمَاحِ وَ قَلَّدُوهَا الْخَيْلَ وَ النَّاسُ عَلَى الرَّايَاتِ قَدِ اشْتَهَوْا مَا دُعُوا إِلَيْهِ وَ رُفِعَ مُصْحَفُ دِمَشْقَ الْأَعْظَمُ تَحْمِلُهُ عَشْرَةُ رِجَالٍ عَلَى رُءُوسِ الرِّمَاحِ وَ نَادَوْا يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ كِتَابُ اللَّهِ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ وَ أَقْبَلَ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ عَلَى بِرْذَوْنٍ أَبْيَضَ وَ قَدْ وَضَعَ الْمُصْحَفَ عَلَى رَأْسِهِ يُنَادِي يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ كِتَابُ اللَّهِ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ.
[1] في الأصل:« لتمكن» فى هذا الموضع و سابقه، و وجههما ما أثبت من ح.
[2] في الأصل:« الحرمان» صوابه في ح.
[3] في الأصل:« فأمر» و صوابه في ح.