وَ إِنَّا لَا نَدْعُوكَ إِلَى تَرْكِ عَلِيٍّ وَ نَصْرِ مُعَاوِيَةَ وَ لَكِنَّا نَدْعُوكَ إِلَى الْبَقِيَّةِ[1] الَّتِي فِيهَا صَلَاحُكَ وَ صَلَاحُنَا.
فَتَكَلَّمَ الْأَشْعَثُ فَقَالَ: يَا عُتْبَةُ أَمَّا قَوْلُكَ إِنَّ مُعَاوِيَةَ لَا يَلْقَى إِلَّا عَلِيّاً فَإِنْ لَقِيَنِي وَ اللَّهِ لَمَا عَظُمَ عَنِّي وَ لَا صَغُرْتُ عَنْهُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عَلِيٍّ فَعَلْتُ وَ أَمَّا قَوْلُكَ إِنِّي رَأْسُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَ سَيِّدَ أَهْلِ الْيَمَنِ فَإِنَّ الرَّأْسَ الْمُتَّبَعَ وَ السَّيِّدَ الْمُطَاعَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع وَ أَمَّا مَا سَلَفَ مِنْ عُثْمَانَ إِلَيَّ فَوَ اللَّهِ مَا زَادَنِي صِهْرُهُ شَرَفاً وَ لَا عَمَلُهُ عِزّاً وَ أَمَّا عَيْبُكَ أَصْحَابِي فَإِنَّ هَذَا لَا يُقَرِّبُكَ مِنِّي وَ لَا يُبَاعِدُنِي عَنْهُمْ وَ أَمَّا مُحَامَاتِي عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَمَنْ نَزَلَ بَيْتاً حَمَاهُ وَ أَمَّا الْبَقِيَّةُ فَلَسْتُمْ بِأَحْوَجَ إِلَيْهَا مِنَّا وَ سَنَرَى رَأَيْنَا فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَلَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ كَلَامُ الْأَشْعَثِ قَالَ: يَا عُتْبَةُ لَا تَلْقَهُ بَعْدَهَا فَإِنَّ الرَّجُلَ عَظِيمٌ عِنْدَ نَفْسِهِ وَ إِنْ كَانَ قَدْ جَنَحَ لِلسِّلْمِ وَ شَاعَ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ مَا قَالَهُ عُتْبَةُ لِلْأَشْعَثِ وَ مَا رَدَّهُ الْأَشْعَثُ عَلَيْهِ وَ قَالَ النَّجَاشِيُّ يَمْدَحُهُ
يَا ابْنَ قَيْسٍ وَ حَارِثٍ وَ يَزِيدَ
أَنْتَ وَ اللَّهِ رَأْسُ أَهْلِ الْعِرَاقِ
أَنْتَ وَ اللَّهِ حَيَّةٌ تَنْفُثُ
السُّمَّ قَلِيلٌ فِيهَا غَنَاءُ الرَّاقِي
أَنْتَ كَالشَّمْسِ وَ الرِّجَالُ نُجُومُ
لَا يُرَى ضَوْؤُهَا مَعَ الْإِشْرَاقِ
قَدْ حَمِيتَ الْعِرَاقَ بِالْأَسَلِ السَّمْرِ
وَ بِالْبَيْضِ كَالْبُرُوقِ الرِّقَاقِ
وَ أَجَبْنَاكَ إِذْ دَعَوْتَ إِلَى الشَّامِ
عَلَى الْقُبِّ كَالسَّحُوقِ الْعَتَاقِ[2]
[1] البقية: الإبقاء. و العرب تقول للعدو إذا غلب: «البقية» أي أبقوا علينا و لا تستأصلونا. قال الأعشى:
* قالوا البقية و الخطى يأخذهم*
.
[2] القب: الخيل الضامرة. و السحوق، بالفتح: النخلة الطويلة.