كَسَرْنَا الْقَنَا حَتَّى إِذَا ذَهَبَ الْقَنَا
صَبَرْنَا وَ فَلَّلْنَا الصَّفِيحَ الْمُجَرَّبَا[1]
فَلَمْ نَرَ فِي الْجَمْعَيْنِ صَادِفَ خَدِّهِ
وَ لَا ثَانِياً مِنْ رَهْبَةِ الْمَوْتِ مَنْكِبَا[2]
وَ لَمْ نَرَ إِلَّا قِحْفَ رَأْسٍ وَ هَامَةٍ
وَ سَاقاً طَنُوناً أَوْ ذِرَاعاً مُخَضَّبَا[3]
وَ اخْتَلَطَ أَمْرُهُمْ حَتَّى تَرَكَ أَهْلُ الرَّايَاتِ مَرَاكِزَهُمْ وَ أَقْحَمَ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ وَ تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ عَلِيٍّ فَأَتَى رَبِيعَةَ لَيْلًا فَكَانَ[4] فِيهِمْ وَ أَقْبَلَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ يَطْلُبُ عَلِيّاً فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي تَرَكَهُ فِيهِ فَلَمْ يَجِدْهُ فَطَافَ يَطْلُبُهُ فَأَصَابَهُ فِي مَصَافِّ رَبِيعَةَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا إِذْ كُنْتَ حَيّاً فَالْأَمْرُ أَمَمٌ[5] مَا مَشَيْتُ إِلَيْكَ إِلَّا عَلَى قَتِيلٍ وَ مَا أَبْقَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ لَنَا وَ لَهُمْ عَمِيداً فَقَاتِلْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ فِي الْقَوْمِ بَقِيَّةً بَعْدُ وَ أَقْبَلَ الْأَشْعَثُ يَلْهَثُ جَزَعاً فَلَمَّا رَأَى عَلِيّاً هَلَّلَ وَ كَبَّرَ وَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خَيْلٌ كَخَيْلٍ وَ رِجَالٌ كَرِجَالٍ وَ لَنَا الْفَضْلُ عَلَيْهِمْ إِلَى سَاعَتِنَا هَذِهِ فَعُدْ إِلَى مَقَامِكَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ فَإِنَّ النَّاسَ إِنَّمَا يَظُنُّونَكَ حَيْثُ تَرَكُوكَ وَ أَرْسَلَ سَعِيدُ بْنُ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيُّ إِلَى عَلِيٍّ ع إِنَّا مُشْتَغِلُونَ[6] بِأَمْرِنَا مَعَ الْقَوْمِ وَ فِينَا فَضْلٌ فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ نُمِدَّ أَحَداً أَمْدَدْنَاهُ.
وَ أَقْبَلَ عَلِيٌّ عَلَى رَبِيعَةَ فَقَالَ: «أَنْتُمْ دِرْعِي وَ رُمْحِي» قَالَ: فَرَبِيعَةُ تَفْخَرُ بِهَذَا الْكَلَامِ إِلَى الْيَوْمِ فَقَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ قَوْماً أَنِسْتَ بِهِمْ وَ كُنْتَ فِيهِمْ فِي هَذِهِ الْجَوْلَةِ لَعَظِيمٌ حَقُّهُمْ عَلَيْنَا.
[1] الصفيح، عنى به السيوف. و المجرب، لعلها« المحرب» و هو المحدد المذرب.
[2] صدف خده: أعرض به. و في الأصل:« صارف حده».
[3] الطنون: التي أطنها الضارب، أي أسرع قطعها فطنت. و هذا الوصف لم تذكره المعاجم. و في الأصل:« ظنونا» و وجهه ضعيف.
[4] في الأصل:« و كان».
[5] أمم، أي قريب. و في ح( 2: 286):« أهم» تحريف.
[6] في الأصل:« مستقبلون» و أثبت ما في ح.