ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً دَعَا بَشِيرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيَ[1] وَ سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيَّ وَ شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ التَّمِيمِيَّ فَقَالَ: «ائْتُوا هَذَا الرَّجُلَ فَادْعُوهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِلَى الطَّاعَةِ وَ الْجَمَاعَةِ وَ إِلَى اتِّبَاعِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى» فَقَالَ لَهُ شَبَثٌ: أَ لَا نُطَمِّعُهُ[2] فِي سُلْطَانٍ تُوَلِّيهِ إِيَّاهُ وَ مَنْزِلَةٍ تَكُونُ بِهِ لَهُ أَثَرَةٌ عِنْدَكَ إِنْ هُوَ بَايَعَكَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: «ائْتُوهُ الْآنَ فَالْقَوْهُ وَ احْتَجُّوا عَلَيْهِ وَ انْظُرُوا مَا رَأْيُهُ» وَ هَذَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ فَأَتَوْهُ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَحَمِدَ أَبُو عَمْرَةَ بْنُ مِحْصَنٍ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ الدُّنْيَا عَنْكَ زَائِلَةٌ وَ إِنَّكَ رَاجِعٌ إِلَى الْآخِرَةِ وَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مُجَازِيكَ بِعَمَلِكَ وَ مُحَاسِبُكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَ إِنِّي أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْ تُفَرِّقَ جَمَاعَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ أَنْ تَسْفِكَ دِمَاءَهَا بَيْنَهَا فَقَطَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ فَقَالَ: هَلَّا أَوْصَيْتَ صَاحِبَكَ؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ صَاحِبِي لَيْسَ مِثْلَكَ إِنَّ صَاحِبِي أَحَقُّ الْبَرِيَّةِ فِي هَذَا الْأَمْرِ فِي الْفَضْلِ وَ الدِّينِ وَ السَّابِقَةِ وَ الْإِسْلَامِ وَ الْقَرَابَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَتَقُولُ مَا ذَا؟ قَالَ: أَدْعُوكَ إِلَى تَقْوَى رَبِّكَ وَ إِجَابَةِ ابْنِ عَمِّكَ إِلَى مَا يَدْعُوكَ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ فَإِنَّهُ أَسْلَمُ لَكَ فِي دِينِكَ وَ خَيْرٌ لَكَ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكَ قَالَ: وَ يُطَلُّ دَمُ عُثْمَانَ لَا وَ الرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ أَبَداً قَالَ: فَذَهَبَ سَعِيدٌ يَتَكَلَّمُ فَبَدَرَهُ شَبَثٌ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ قَدْ فَهِمْتُ مَا رَدَدْتَ عَلَى ابْنِ مِحْصَنٍ إِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْنَا مَا تُقَرِّبُ وَ مَا تَطْلُبُ إِنَّكَ لَا تَجِدُ شَيْئاً تَسْتَغْوِي بِهِ النَّاسَ وَ تَسْتَمِيلُ بِهِ أَهْوَاءَهُمْ وَ تَسْتَخْلِصُ بِهِ طَاعَتَهُمْ إِلَّا أَنْ قُلْتَ لَهُمْ قُتِلَ إِمَامُكُمْ مَظْلُوماً فَهَلُمُّوا نَطْلُبْ بِدَمِهِ فَاسْتَجَابَ لَكَ سُفَهَاءُ طَغَامٌ رُذَالٌ وَ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّكَ قَدْ أَبْطَأْتَ عَنْهُ بِالنَّصْرِ-
[1] هو أبو عمرة بن عمرو بن محصن، و قد سبقت ترجمته في ص 185.
[2] في الأصل:« لا نطعمه».