و مذحج فاستوهبه من ابن زياد، فوعده أن يفعل. و كأنّه رأى أنّ ذلك جرّأه على منح الأمان لمسلم فما و فى له بذلك و لا بما وعده في هانئ، بل قال لجلاوزته:
أخرجوا هانئا إلى السوق فاضربوا عنقه!
فدخلوا إليه و كتّفوه و أخرجوه إلى موقف الغنم في السوق!و أخذ ينادي: وا مذحجاه!ثمّ يجيب نفسه: و أين مني مذحج و لا مذحج لي اليوم!ثمّ جذب يده فنزعها من الكتاف و نادى: أما من عصا أو سكّين أو حجر أو عظم يدافع به رجل عن نفسه!فاكبّوا عليه و شدّوا و ثاقه ثمّ قالوا له: امدد عنقك!و كان معهم مولى تركيّ لابن زياد فضربه بسيفه فلم يصنع شيئا!و نادى هانئ: إلى اللّه المعاد!اللهمّ إلى رحمتك و رضوانك!فضربه المولى التركي اخرى فقتله [1] .
و إذ أبى ابن زياد أن يشفّع ابن سعد في جسد مسلم بل أمر برميه من فوق القصر إلى الأرض، لم يجرؤ ابن سعد و لا غيره على حمله و دفنه، بل عرف عرف الناس أنّه يأبى ذلك، فروى أبو مخنف عن رجل من بني أسد قال: لم أخرج من الكوفة حتى رأيت مسلما و هانئا يجرّان بأرجلهما في السوق [2] و زاد ابن الأعثم عنه أيضا قال: رأيتهما مصلوبين منكّسين في سوق القصّابين [3] .
و كان قد حبس من أنصار مسلم بعد هانئ: المختار الثقفي، و عبد الأعلى الكلبي و عمارة الأزدي، فأمر بإخراج الأزدي و سأله: ممّن أنت؟قال: من الأزد. قال لجلاوزته: فانطلقوا به إلى قومه. فضربوا عنقه فيهم. و أخرجوا إليه الكلبيّ فقال له: أخبرني بأمرك. فقال: خرجت لأنظر ما يصنع الناس فأخذوني.
[1] تاريخ الطبري 5: 378 عن أبي مخنف، و الإرشاد 2: 64.