و قال آخرون: أ ما تستحيون أن تخرجوا و رءوسكم تقطر من الغسل و رسول اللّه على إحرامه؟!
و كان فيمن أقام على الخلاف للنبي صلّى اللّه عليه و آله عمر بن الخطاب، فاستدعاه رسول اللّه و قال له: مالي أراك يا عمر محرما أسقت هديا؟!قال: لم أسق!قال: فلم لا تحل و قد أمرت من لم يسق الهدي بالاحلال؟فقال: يا رسول اللّه، و اللّه لا أحللت و أنت محرم!فقال له النبي: إنك لن تؤمن بها حتى تموت [1] .
و روى ابن اسحاق بسنده عن عائشة قالت: أمر الناس أن يحلوا بعمرة الاّ من ساق الهدي... فحلّ كل من لا هدي معه و حل نساؤه، و روى بسنده عن حفصة بنت عمر قالت: و أمر رسول اللّه نساءه أن يحللن بعمرة، فقلن له: يا رسول اللّه فما يمنعك أن تحلّ معنا؟!فقال: إني أهديت و لبّدت [2] فلا احل حتى أنحر هديي [3] .
ثمّ لم ينزل النبي صلّى اللّه عليه و آله بمكة، فقالت له أم هانئ بنت أبي طالب: يا رسول اللّه، أ لا تنزل في بيوت مكة؟فأبى [4] و خرج منها الى الأبطح بين مكة و منى فنزل بها هو و أصحابه، حتى يوم التروية [5] أي بقية يوم الثلاثاء و الأربعاء و الخميس و الجمعة [6] .
[2] كان الحجّاج إذا كان يطول مكثهم في إحرامهم يلبّدون شعور رءوسهم بشيء من الصمغ أو الخطمي (طين طيب الرائحة) عن الغبار و الشعث و القمل.
[3] ابن اسحاق في السيرة 4: 248 و 249، و رواه الواقدي في المغازي 2: 1092. و فيه قال: لما قدم مكة صلّى بهم رسول اللّه ركعتين ثم قال: يا أهل مكة أتمّوا صلاتكم فإن سفراي مسافرون.