و قال الواقدي: هو أفلح بن نضر الشيباني من بني سليم، و هو الذي عاده أبو لهب-و كان في فراش الموت-فرآه حزينا، فقال له: ما لي أراك حزينا؟قال:
أخاف أن تضيع من بعدي العزّى!فقال أبو لهب: فلا تحزن فأنا أقوم عليها بعدك! و قال خالد لرسول اللّه: أي رسول اللّه، الحمد للّه الذي أكرمنا و أنقذنا من الهلكة! إنّي كنت أرى أبي (الوليد بن المغيرة) يذهب إلى العزّى بهديه مائة من الإبل و الغنم فيذبحها للعزّى، و يقيم عندها ثلاثا، ثم ينصرف إلينا مسرورا!فأنا اليوم أنظر إلى ما مات عليه أبي و ذلك الرأي الذي كان يعيش في فضله كيف خدع حتى صار يذبح لحجر لا يسمع و لا يبصر و لا ينفع و لا يضر؟!فقال رسول اللّه: إنّ هذا الأمر إلى اللّه، فمن يسّره للهدى تيسّر، و من يسّره للضلالة كان فيها.
و بعثه رسول اللّه لهدم العزّى، فخرج في ثلاثين فارسا من أصحابه، فلما انتهى جرّد سيفه، فجعل السادن يصيح عليها:
أيا عزّ، شدي شدة لا شوى لها # على خالد، ألقي القناع و شمّري [1]
ايا عزّ، إن لم تقتلي المرء خالدا # فبوئي بذنب عاجل أو تنصّري [2]
قال خالد: و أخذني اقشعرار في ظهري!ثم أقبلت عليها بسيفي و أنا أقول:
يا عزّ كفرانك لا سبحانك # إنّي وجدت اللّه قد أهانك [3]
ثم جدّلها نصفين، و هدمها.. و كان هدمها لخمس ليال بقين من رمضان [4] ثم رجع إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال: هدمت؟قال: نعم يا رسول اللّه... قال: نعم، تلك العزّى و قد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا [5] .
[1] لا شوى لها: لا بقية لها، و اللفظ لابن اسحاق في السيرة 4: 79.
[2] تنصّري، كوني نصرانية خارجة عن دينك، أو بمعنى انتصري لنفسك على خالد!
[3] عودا على ما قاله حين إسلامه أنه وجد اللّه قد خذلهم و أعزّ عبده و جنده، كما مرّ.
[4] بينما جاء في المنتقى: بعثه لخمس بقين من رمضان و انتهى إليها في الثلاثين فهدمها.