و زاد ابن اسحاق: أنه فرّ إلى عثمان بن عفان أخيه من الرضاعة فغيّبه حتى اطمأنّ أهل مكة فأتى به رسول اللّه يستأمن له، فصمت طويلا ثم قال: نعم، فلما انصرف قال رسول اللّه لمن حوله من أصحابه: لقد صمت طويلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه [1] .
و قال الواقدي: جاء ابن أبي سرح يوم الفتح إلى عثمان بن عفّان فقال: يا أخي إنّي و اللّه اخترتك فاحتبسني هاهنا و اذهب إلى محمد فكلّمه فيّ، فانّ محمدا إن رآني ضرب الذي فيه عيناي إن جرمي أعظم الجرم و قد جئت تائبا... و اللّه لئن رآني ليضربنّ عنقي، و أصحابه يطلبونني في كل موضع. فقال عثمان: بل انطلق و اذهب معي فلا يقتلك إن شاء اللّه.
و فوجئ رسول اللّه بعثمان آخذا بيد عبد اللّه بن سعد واقفين بين يديه و عثمان يقول: يا رسول اللّه، إن امّه كانت تحملني و تمشّيه، و ترضعني و تقطعه، و تلطفني و تتركه، فهبه لي و كلّما كان يعرض عنه رسول اللّه كان عثمان يستقبله في وجهه فيعيد عليه الكلام ثم اكبّ عثمان على رسول اللّه يقبّل رأسه و يقول: يا رسول اللّه فداك أبي و امّي تبايعه؟!فقال رسول اللّه: نعم، ثم بايعه (أي قبل توبته إلى الإسلام) .
فلما انصرفا التفت إلى أصحابه فقال لهم: ما منعكم أن يقوم رجل منكم إلى هذا الفاسق-أو الكلب-فيقتله؟!فقال عبّاد بن بشر: أ لا أومأت إليّ يا رسول اللّه؟فو الذي بعثك بالحق انّي لأتّبع طرفك من كل ناحية رجاء أن تشير إليّ فأضرب عنقه!فقال رسول اللّه: انّي لا أقتل بالإشارة. أو: إنّ النبيّ لا تكون له خائنة الأعين! [2] .