فلكم ما لهم و عليكم ما عليهم، و إلاّ فالحرب بيننا و بينكم. فقالوا له: أما و اللات و العزّى، لو لا رحم بيننا و قرابة قريبة (؟) لقتلناك و جميع أصحابك قتلة تكون حديثا لمن يكون بعدكم، فارجع أنت و من معك و اربحوا العافية، فانّا انما نريد صاحبكم بعينه و أخاه علي بن أبي طالب. فقال أبو بكر: يا قوم، إنّ القوم أكثر منكم أضعافا و أعدّ منكم، و قد نأت داركم عن اخوانكم من المسلمين، فارجعوا نعلم رسول اللّه بحال القوم. فقالوا له: يا أبا بكر، خالفت قول رسول اللّه و ما أمرك به، فاتّق اللّه و واقع القوم و لا تخالف رسول اللّه!فقال: إنّي أعلم ما لا تعلمون، و الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
فانصرف و انصرف الناس أجمعون، فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمقالة القوم و ما ردّ عليهم. فقال رسول اللّه: يا أبا بكر، خالفت أمري، و لم تفعل ما أمرتك، و كنت لي-و اللّه-عاصيا فيما أمرتك!ثم قام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: يا معشر المسلمين، انّي أمرت أبا بكر أن يسير إلى أهل وادي اليابس، و أن يعرض عليهم الإسلام، و يدعوهم إلى اللّه، فإن أجابوه، و إلاّ واقعهم. و إنّه سار إليهم، فخرج إليه مائتا رجل، فلما سمع كلامهم و ما استقبلوه به انتفخ سحره [1] و دخله الرعب منهم، فترك قولي و لم يطع أمري. و إنّ جبرئيل أمرني عن اللّه: أن أبعث إليهم عمر مكانه في أصحابه الأربعة آلاف فارس. فسر يا عمر على اسم اللّه، و لا تعمل كما عمل أخوك، فانه قد عصى اللّه و عصاني. و أمره بما أمر أبا بكر.
فخرج و معه المهاجرون و الأنصار الذين كانوا مع أبي بكر، يقتصد بهم في سيرهم، حتى شارف القوم و كان قريبا منهم حيث يراهم و يرونه. فخرج إليهم
[1] كذا في تفسير الكوفي، و في القمي: صدره. و السحر: الرئة، أي انتفخت رئته خوفا. انظر مجمع البحرين.