نام کتاب : تاريخ مدينة دمشق نویسنده : ابن عساكر جلد : 59 صفحه : 128
قال : أمّا بعد يا معاوية ، فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين ، وأهل المصرين ، وأهل الحجاز ، واليمن ، ومصر ، وعمّان ، والبحرين ، واليمامة ، فلم يبق إلّا [أهل][١] هذه الحصون التي أنت فيها ، لو سال عليها من أوديته سيل غرّقها ، وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى متابعة [٢] أمير المؤمنين علي.
ودفع إليه كتابه ، قال : وكانت نسخته :
بسم الله الرّحمن الرحيم.
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان ، أما بعد ، فإن بيعتي لزمتك وأنت بالشام ، لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوا عليه ، فلم يكن لشاهد أن يختار ، ولا لغائب أن يرد ، وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإذا اجتمعوا على رجل وسمّوه إماما كان ذلك رضا ، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردّوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولّى ويصله [٣] جهنم وساءت مصيرا ، وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي ، وكان نقضها كردّهما ، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، فإنّ أحب الأمور إليّ فيك العافية ، إلّا أن تعرّض للبلاء ، فإن تعرضت له قاتلتك واستعنت الله عليك ، وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إليّ أحملك وإياهم على كتاب الله ، فأمّا تلك التي تريدها يا معاوية فهي خدعة الصبي عن اللبن ، ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنّي أبرأ قريش من دم عثمان ، واعلم يا معاوية أنك من الطّلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافة ، ولا تعرض فيهم الشورى ، وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك جرير بن عبد الله ، وهو من أهل [٤] الإيمان والهجرة ، فبايع ، ولا قوة إلّا بالله.
فلما قرأ معاوية الكتاب وعنده جماعة من الناس ، قام جرير خطيبا فقال :
الحمد لله المحمود بالعوائد ، المأمول منه الزوائد ، المرتجى منه الثواب ، والمختشى منه العقاب ، المستعان على النوائب ، أحمده وأستعينه في الأمور التي تخيّر دونها الألباب ،