نام کتاب : تاريخ مدينة دمشق نویسنده : ابن عساكر جلد : 29 صفحه : 333
ثم قدمت المدينة ، فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يخوضون في قول أصحاب الإفك ، لا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله 6 اللطف الذي كنت أرى منه ، إنّما يدخل عليّ ويسلم عليّ ثم يقول : «كيف تيكم؟» ، فذلك يريبني ولا أشعر بالشرّ حتى خرجت بعد ما نقهت ، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع [١] وهو متبرزنا ولا نخرج إلّا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا. أمر العرب الأول التبرز قبل الغائط ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت وأم مسطح وهي أم [٢] أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصدّيق ، وأبيها مسطح بن أثاثة [٣] بن عبّاد بن عبد المطلب بن عبد مناف ، فأقبلت أنا ونبت أبي [٤] رهم قبل بيتي حين فرغنا ، فعثرت أم مسطح في مرطها [٥]، فقالت : تعس مسطح ، قال : فقلت : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا شهد بدرا ، قالت لي : أي هنتاه وما سمعت ما قال؟ قلت : وما ذا قال؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا على ما كان بي ، فلما رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله 6 فسلّم ثم قال : «كيف تيكم؟» قالت : قلت : يا رسول الله ائذن لي أن آتي أبويّ ، وأنا أريد حينئذ أن أستثبت الخبر من قبلهما ، قالت : فأذن لي رسول الله 6 ، فجئت أبوي ، فقلت : يا أمتاه ما ذا يتحدّث الناس؟ قالت : أي بنية هوّني على نفسك ، فو الله لا قل ما كانت امرأة قط وضيئة [٦] عند رجل يحبها لها ضرائر إلّا كثّرن عليها ، قال : فقلت : سبحان الله ، وقد تحدّث الناس بهذا ، قالت : فبكيت تلك الليلة لا ترقى لي دمعة ، ولا تكتحل عيني بنوم ، ثم أصبحت أبكي ، فدعا رسول الله 6 عليا ، وأسامة بن زيد ثم استلبث [٧] الوحي ، يستشيرها في فراق أهله ، وأمّا أسامة فأشار على رسول الله 6 بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم في نفسه من الود لهم ، فقال : يا رسول الله 6 أهلك ولا نعلم إلّا خيرا ، وأما علي فقال : يا رسول الله 6 لم يضيّق الله
[١] المناصع مواضع خارج المدينة كانوا يتبرزون فيها.