نام کتاب : تاريخ مدينة دمشق نویسنده : ابن عساكر جلد : 22 صفحه : 37
فسأل موسى ربه ولم يسأل الناس ، ففطنت الجاريتان ولم يفطن الرعاء ، فأتيا أباهما وهو شعيب فأخبرتاه فقال شعيب : ينبغي أن يكون هذا جائعا ، ثم قال لإحداهما : اذهبي ادعيه لي ، فلما اتته أعظمته وغطّت وجهها وقالت : (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) ، فلما قالت (أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) كره ذلك موسى وأراد أن لا يتبعها ، ولم يجد بدا من أن يتبعها لأنه كان في أرض مسبعة وخوف ، فخرج معها وكانت امرأة ذات عجز وكان الرياح تضرب ثوبها فتصف لموسى عجزها ، فيغضي مرة ويعرض أخرى حتى عيل صبره فقال : يا أمة الله كوني خلفي وأريني السمت ـ يريد الطريق ـ فأتيا إلى شعيب والعشاء مهيأ فقال : اجلس يا شاب فكل ، فقال موسى : لا ، قال شعيب : لم؟ ألست بجائع؟ قال : بلى ، ولكني من أهل بيت لا نبيع شيئا من عمل الآخرة بملء الأرض ذهبا ، وأخشى أن يكون هذا أجرا لما سقيت لهما ، قال شعيب : لا يا شاب ، ولكنها عادتي وعادة آبائي إقراء الضيف وإطعام الطعام قال : فجلس موسى بن عمران فأكل.
فإن كانت هذه المائة دينار عوضا مما حدثتك فالميتة والدم ولحم الخنزير عند الاضطرار أحل منه ، وإن كانت من بيت مال المسلمين فلي فيه شركاء ونظراء إن واسيتهم [١] بي وإلّا فلا حاجة لي بها ، إن بني إسرائيل لم يزالوا على الهدى [٢] والتّقى حيث كان أمراؤهم يأتون إلى علمائهم رغبة في علمهم فلما أنكسوا وانتكسوا ، وسقطوا من عين الله تعالى ، وآمنوا بالجبت والطاغوت ، فكان علماؤهم يأتون إلى أمرائهم ، فشاركوهم في دنياهم ، وشركوا معهم في فتكهم. فقال ابن شهاب : يا أبا حازم لعلك إياي تعني أو بي تعرض؟ فقال : ما إياك اعتمدت ولكن هو ما تسمع ، قال سليمان : يا ابن شهاب تعرفه؟ قال : نعم جاري منذ ثلاثين سنة ما كلمته كلمة قط ، قال أبو حازم : إنك نسيت [الله][٣] فنسيتني ، ولو أحببت [الله][٤] لأحببتني. قال ابن شهاب : يا أبا حازم شتمتني؟ قال سليمان : ما شتمتك ولكن أنت شتمت نفسك ، أما علمت أن للجار على الجار حقّا [٥] كحق القرابة يجب ، فلما ذهب قال رجل من جلساء سليمان : أتحب أن الناس كلهم مثله؟ قال سليمان : لا.