وقوله : (أولم ينظروا ..)[١] أي يتفكروا ، إلى قوله : (وَأَنْ عَسى أَنْ
يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) ، لم يحتاجوا ، أيضا ، إلى فرق آخر ، لأنّ «أن»
المصدرية لا تدخل على الأفعال غير المتصرفة ، لأنها تكون مع الفعل بعدها بتأويل
المصدر ، ولا مصدر لغير المتصرف.
وإن كان ذلك
الفعل متصرفا ، وجب أن تفصل المخففة من الفعل ، إمّا بالسين ، نحو : (عَلِم أن سيكون)[٢] ، أو سوف يكون ، أو «قد» نحو : (ليعلم أن قد أبلغوا ..)[٣] أو بحرف نفي نحو : علمت أن لم يقم ، ولن يقوم ، ولا
يقوم ، وما قام ، وما يقوم ؛ وذلك لأنّ «أن» المصدرية ، لا يفصل بينها وبين الفعل
بشيء من الحروف المذكورة لكونها مع الفعل بتأويل المصدر معنى ، وعاملة في المضارع
لفظا فلا يفصل بينها وبين الفعل ، وكذا لا يفصل بين «لو» و «كي» المصدريتين والفعل
كما يجيء ، بلى ، قد تفصل «لا» بين المصدرية والفعل ، لأنها ، لكثرة دورانها في
الكلام تدخل في مواضع لا تدخلها أخواتها ، نحو قولك : جئت بلا مال ؛
فإذا اتفق وقوع
«لا» بعد المخففة ، فإن كانت المخففة بعد العلم ، لم تلتبس بالمصدرية لما قدّمنا :
أنّ المصدرية لا تقع بعد فعل العلم ، وإن كانت بعد الظن ، جاز أن تكون مخففة
ومصدرية ، كما في قوله تعالى : (وَحَسِبُوا أَلَّا
تَكُونَ فِتْنَةٌ)[٤] ، قرئ بالرفع والنصب [٥] ، فالرفع على أن الحسبان ظن غالب ؛ فلا التباس بينهما
على هذا ، إلا في مثل هذا الموضع ، ويسمّي النحاة الحروف التي بعد «أن» المخففة :
حروف التعويض ، لأنها كالعوض من إحدى نوني أنّ.
وكما جاز أن
يؤوّل الظن ، بالظن الغالب القريب من العلم فتقع بعده المخففة ،