إذا خفّفت «أنّ»
المشددة ، تقاصرت خطاها ، فلا تقع مجرورة الموضع كالمشددة ، لا تقول : عجبت من أن
ستخرج ولا تقع إلا بعد فعل التحقيق ، كالعلم وما يؤدي معناه ، كالتبيّن ، والتيقن
والانكشاف ، والظهور ، والنظر الفكري ، والإيحاء ، والنداء ، ونحو ذلك ، أو بعد
فعل الظن ، بتأويل أن يكون ظنا غالبا متأخّيا [١] للعلم ، فلا تقول : أعجبني أن ستخرج ولا : وددت أن
ستخرج ، أو : رجوت أن ستخرج ، كما تقول ذلك في المثقلة ، وذلك أنها بعد التخفيف
شابهت ، لفظا ومعنى : «أن» المصدرية ، أمّا لفظا فظاهر ، وأمّا معنى فلكونهما حرفي
المصدر ، فأريد الفرق بينهما ، فألزم قبل المخففة فعل التحقيق أو ما يؤدي مؤدّاه
أو ما يجري مجراه من الظن الغالب ، ليكون مؤذنا من أول الأمر أنها مخففة ، لأنّ
التحقيق بأن المخففة التي فائدتها التحقيق : أنسب وأولى ، فلهذا لم يجئ بعد فعل
التحقيق الصّرف : أن المصدرية ، وأمّا بعد فعل الظن وما يؤدي معنى العلم ، فتجيء
المصدرية والمشددة ، والمخففة ، ولم يقنعوا بهذا ، لأن الأولوية لا تفيد الوجوب ،
فنظروا : فإن دخلت المخففة على الاسمية ، كقوله :
أو الفعلية
الشرطية كقوله تعالى : «.. أَنْ إِذا
سَمِعْتُمْ[٣] ..» و : (وأن لو استقاموا ..)[٤]. لم يحتاجوا [٥] إلى فرق آخر ، إذ المصدرية تلزم الفعلية المؤوّلة معها
بالمصدر ، فلا يحتمل أن تدخل على الاسمية والشرطية ؛ وإن دخلت على الفعلية الصّرفة
، فإن كان ذلك الفعل غير متصرف كقوله تعالى : (أم لم يُنبأ)[٦] أي : لم يعلم ، إلى قوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ) ،
[١] يقال تأخّيت
فلانا أي اتخذته أخا. والمراد هنا أن يكون الظن لقوته كأنه أخو العلم.
[٢] هذا أحد أبيات
القصيدة اللامية للأعشى ميمون بن قيس ، والتي يعدها بعضهم احدى المعلقات. ومنها
شواهد أخرى في هذا الشرح. والبيت في سيبويه ج ١ ص ٢٨٢.