به ، والأصل هو الأوّل ، والثاني مجاز ؛ فإن الوجه الذي تبيّن فيه أثر
الغضب كأنّه غير الوجه الذي لا يكون فيه ذلك بالذات ؛ وماهية المستثنى ، كما ذكرنا
في حده : هو المغاير لما قبل أداة الاستثناء نفيا وإثباتا ، فلما اجتمع ما بعد «غير»
وما بعد أداة الاستثناء في معنى المغايرة لما قبلها ، حملت أمّ أدوات الاستثناء أي
«إلّا» في بعض المواضع على «غير» في الصفة ، وحملت «غير» على «الّا» في الاستثناء
في بعض المواضع ، ومعنى الحمل : أنه صار ما بعد «الا» مغايرا لما قبلها ذاتا أو
صفة كما بعد «غير» ولا تعتبر مغايرته له نفيا وإثباتا ؛ كما كان في أصلها ؛ وصار
ما بعد «غير» مغايرا لما قبلها نفيا وإثباتا ، كما بعد «الا» ، ولا تعتبر مغايرته
له ذاتا ، أو صفة ، كما كانت في الأصل ؛ إلا أنّ حمل «غير» على «إلّا» أكثر من
العكس ، لأن «غيرا» اسم ، والتصرف في الأسماء أكثر منه في الحروف ، فوقع «غير» في
جميع مواقع «إلّا» [١] ، في المفرغ وغيره ، والمنقطع وغيره ، مؤخرا عن
المستثنى ومقدما عليه ، وبالجملة ، في جميع محالّه ، إلا أنه لا يدخل على الجملة
كإلّا ، لتعذّر الاضافة إليها ؛ ولم يحمل «الا» على «غير» إلا بالشرائط التي
نذكرها ؛
فإذا دخل [٢] «إلا» على غير ، وإلّا ، في الأصل حرف ، لا يتحمّل الاعراب ، روعي أصلها ،
فجعل اعرابها الذي كانت تستحقه لو لا المانع المذكور على ما بعدها عاريّة ، وإذا
دخل «غير» على «إلّا» ، وأصل «غير» من حيث كونه اسما جواز تحمل الاعراب ، وما بعده
، الذي صار مستثنى بتطفل «غير» على «إلا» مشغول بالجر لكونه مضافا إليه في الأصل ،
جعل اعرابه الذي كان يستحقه لو لا المانع المذكور ، أي اشتغاله بالجر ، على نفس «غير»
عاريّة ؛
فعلى هذا
التقدير ، لا حاجة إلى أن يعتذر ، لانتصاب «غير» في الاستثناء بما قال بعضهم ،
لمّا رأى انتصابه من دون واسطة ، كما كان في المستثنى بالّا ؛ وهو [٣] أنه إنما انتصب بلا واسطة حرف لمشابهته الظروف المبهمة
بابهامه ؛
[١] أي استعمل ، غير
، استعمال الا ، في جميع أحوالها ؛