ولا بد في المستفهم عنه من معنى الاستفهام ، وموجده فيه «هل» ، وقد يكون
معنى الحرف ما دل عليه غيره مطابقة ، وذلك إذا كان ذلك الغير [١] لازم الاضمار كما دل همزة «أضرب» ونون «نضرب» على معنى
الضميرين اللازم اضمارهما ؛ وقد يكون الحرف دالا على معنيين كل منهما في كلمة [٢] ، كحروف المضارعة الدالة على معنى في الفعل ومعنى في
الفاعل.
والأغلب في
معنى الحرف أن يكون معنى الأسماء الدالة على المعاني دون الأعيان ، وقد تكون دالة
على العين أيضا ، كالهمزة في «أضرب» ونون «نضرب» وتاء «تضرب» في خطاب المذكر ،
فإنها تفيد معاني الفاعلين بعد الأفعال.
ثم نقول : إن
معنى «من» الابتداء ، فمعنى «من» ومعنى لفظ الابتداء سواء ، إلا أن الفرق بينهما
أن لفظ الابتداء ليس مدلوله مضمون لفظ آخر ، بل مدلوله معناه الذي في نفسه مطابقة
، ومعنى «من» مضمون لفظ آخر ينضاف ذلك المضمون إلى معنى ذلك اللفظ الأصلي ؛ فلهذا
جاز الاخبار عن لفظ الابتداء ، نحو : الابتداء خير من الانتهاء ، ولم يجز الاخبار
عن «من» لأن الابتداء الذي هو مدلولها في لفظ آخر ، فكيف يخبر عن لفظ ليس معناه
فيه؟ بل في لفظ غيره ، وإنما يخبر عن الشيء باعتبار المعنى الذي في نفسه مطابقة ،
فالحرف وحده لا معنى له أصلا ، إذ هو كالعلم المنصوب بجنب شيء ليدل على أن في ذلك
الشيء فائدة ، فإذا انفرد عن ذلك الشيء بقي غير دال على معنى أصلا.
فظهر بهذا أن
المعنى الإفرادي للاسم والفعل في أنفسهما ، وللحرف في غيره ، ولا يصح الاعتراض على
حد الحرف بالصفات ، وذلك بأن يقال : إن لفظ [٣] طويل ، مثلا ،
[١] كلمة «غير»
ملازمة للاضافة لفظا أو تقديرا ، وهي متوغلة في الابهام فلا تتعرف ، حتى مع
الاضافة ومنعوا دخول حرف التعريف عليها ، وبعض الباحثين يبرر ذلك بأن «ال» تكون
فيها حينئذ ، عوضا عن المضاف إليه ، وهو غير متفق عليه ، ولا هو ممكن في كل موضع.
[٢] المراد أن
المعنيين اللذين يدل عليهما الحرف هما معا في كلمة واحدة كما مثل ، وتعبيره لا
يساعد على فهم هذا المراد ؛ وربما كانت محرفة عن : كلاهما.
[٣] في النسخة
المطبوعة : ان معنى طويل ، ولا يستقيم الكلام إلا باصلاحها إلى : لفظ طويل وذلك
يظهر بالتأمل في سياق الكلام.