responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الجلالين نویسنده : السيوطي، جلال الدين    جلد : 1  صفحه : 3
جميع الحقوق محفوظة للناشر دار المعرفة للطباعة والتوزيع مستديرة المطار - شارع البرجاوي ص. ب 7876 تلفون: 1 / 8343 - 834332 - برقيا معرفكار بيروت. لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد، لقد كان دأب دار المعرفة ولا يزال هو نشر العلوم الاسلامية النافعة، لا سيما العلوم التي تتعلق بكتاب الله عز وجل، ولما كان علم التفسير هو من أشرف العلوم لتعلقه بأشرف كتاب سماوي، رأت الدار أن تقوم بنشر تفسير لكتاب المولى جلت قدرته يكون مبسطا يفهمه العامة والخاصة.
وقد استقر رأي الإدارة على تفسير الجلالين للإمامين السيوطي والمحلي، إلا أن جهاز التدقيق في الدار لاحظ أن النسخ الموجودة في الأسواق تحتوي على كثير من الأخطاء والمغالطات، لذلك قامت لجنة التدقيق بمقابلة نسخ التفسير على عدة مخطوطات بقية الوصول إلى نسخة موثوقة ومن ثم عمد إلى تنضيد التفسير على هامش المصحف الشريف المشهور بمصحف الملك الذي يعتبر من عيون المصاحف التي تتبع رسم مصحف سيدنا عثمان رضي الله عنه.
ودار المعرفة إذ تقدم إلى الأمة الاسلامية هذا التفسير بهذه الحلة القشبية تتقدم بالشكر إلى الأستاذ مروان سوار مدقق المصاحف لدى وزارة الأوقاف الذي لم يأل جهدا بمراجعة هذا التفسير وتدقيق المصحف الشريف على أمهات كتب القراءات والرسم والضبط، وترجو أن يكتب الله هذا العمل في صحائف أعمال أصحابها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى بقلب سليم.
دار المعرفة
مقدمة التحقيق 4
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الفصل الأول فيما يتعلق بآيات وأحاديث وردت بفضل القرآن الكريم وتلاوته.
بسم الله الرحمن الرحيم
(تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي بعثه الله (داعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) ورضي الله عن الصحابة الكرام وتابعيهم الذي نصروا الحق فكانوا على الدهر نجوم هداية ونورا.
أما بعد فإن القرآن الكريم أم لهداية وأس الحق ومنار الهدى، أعز الله هذه الأمة وأقام صرح مجدها، حتى كانت كلمتها العليا، وكان لها المحل اللائق في قلوب العالم كله.
ولا يعرف تاريخ الدنيا أمة بلغت ما بلغته أمة القرآن في ربع قرن، فأقامت حضارة علمية، وعمرانية، وبنت دولة الاسلام على الحق والعدل، حتى شهد بذلك القاضي والداني، واعترف بعدالة هذه الشريعة ورجالها حتى ألد أعدائها مما يدل على ما لهذه الشريعة من رسوخ في أرض العدل والحق، بل هي صانعة العدل والحق، وعلى ما كان يتمتع به الصحابة الكرام ومن كان على طريقهم من السلف والخلف بالتمسك الصحيح بتعاليم هذا القرآن والسنة المطهرة. وقد قال سبحانه (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور)
صدق الله العظيم.
وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها: قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران ".
وروى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن النبي بصلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يرفع بهذا الكلام أقواما ويضع آخرين ".
مقدمة التحقيق 6
وروى مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ".
وروى البخاري ومسلم عن أبن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل، وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ".
وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، ولكن ألف حرم ولام حرف وميم حرف ".
وروى الترمذي وقال: حديث حسن، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله سبحانه وتعالى: " من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله سبحانه وتعالى على سائر الكلام كفضل الله تعالى بعلي خلقه ".
وروى أبو داوود والترمذي والنسائي وقال الترمذي: حسن صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقال لصاحب القرآن: اقرأ ورق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ".
وروى أبو داوود عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجا يوم القيامة، ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، فما ظنكم بالذي عمل بهذا "؟
وروى الترمذي بإسناده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقرؤوا القرآن فإن الله لا يعذب قلبا وعى القرآن، وإن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل عليه فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر ".
الفصل الثاني في لمحة تتعلق بعلم تفسير القرآن وتأويله التفسير في اللغة الايضاح والتبيين، ومنه قوله تعالى في سورة الفرقان: (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا).
والتفسير في الاصطلاح: علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية.
التأويل والتأويل مرادف للتفسير في أكثر معانيه اللغوية، قال صاحب القاموس " أول الكلام تأويلا وتأوله.
مقدمة التحقيق 7
دبره، وقدره، وفسره. ومنه قوله تعالى (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله).
وكل ما يدور من معاني التأويل يعود إلى البيان والكشف والايضاح. أما التأويل في اصطلاح المفسرين فيختلف معناه. فبعضهم يرى أنه مرادف للتفسير، وعلى هذا فالنسبة بينهما التساوي، ويشيع هذا القول عند المتقدمين، ومنه قول مجاهد: إن العلماء يعلمون تأويله يعني القرآن، وقول ابن جرير في تفسيره: القول في تأويل قوله تعالى كذا... واختلف أهل التأويل في هذه الآية... ".
وبعضهم يرى أن التفسير يخالف التأويل، ويجعل التفسير أعم مطلقا، وكأنه يريد من التأويل بيان مدلول اللفظ بغير المتبادر منه لدليل، ويريد من التفسير بيان مدلول اللفظ مطلقا، أعم من أن يكون بالمتبادر، أو بغير المتبادر.
وبعضهم يرى أن التفسير مباين للتأويل، فالتفسير هو القطع من أن مراد الله كذا، والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون قطع.
التفسير تفسيران لكن التفسير على نوعين (أحدهما) تفسير جاف لا يتجاوز حل ألفاظ وإعراب جمل وبيان ما يحتويه نظم القرآن الكريم من نكات بلاغية، وإشارات فنية وهذا النوع أقرب إلى التطبيقات العربية منه إلى التفسير، وبيان مراد الله تعالى من هداياته.
(النوع الثاني) تفسير يتجاوز هذه الحدود، ويجعل هدفه الأعلى تجلية هدايات القرآن وتعاليم القرآن، وحكمة الله فيما شرع للناس في هذا القرآن، على وجه يجذب الأرواح ويفتح القلوب، ويدفع النفوس إلى الاهتداء بهدى الله. وهذا هو الخليق باسم التفسير.
فضل التفسير والحاجة إليه نهضة الافراد والأمم لا يمكن أن تكون صحيحة عن تجربة، ولا سهلة متيسرة، ولا رائعة مدهشة، إلا عن طريق الاسترشاد بتعاليم القرآن ونظمه الحكيمة التي روعيت فيها جميع عناصر السعادة للنوع البشري على ما أحاط به علم خالقه الحكيم. وبدهي أن العمل بهذه التعاليم لا يكون إلا بعد فهم القرآن وتدبره، والوقوف على ما حوى من نصح ورشد، والالمام بمادئه عن طريق تلك القوة الهائلة التي يحملها أسلوبه البارع المعجز، وهذا لا يتحقق إلا عن طريق الكشف والبيان لما تدل عليه ألفاظ القرآن " وهو ما نسميه بعلم التفسير " خصوصا في هذه العصور الأخيرة التي فسدت فيها ملكة البيان العربي، وضاعت فيها خصائص العروبة حتى من سلائل العرب أنفسهم.
فالتفسير هو مفتاح هذه الكنوز والذخائر التي احتواها هذا الكتاب المجيد النازل لاصلاح البشر، وإنقاذ الناس ك، وإعزاز العالم.
مقدمة التحقيق 8
وبدون التفسير لا يمكن الوصول إلى هذه الكنوز والذخائر، مهما بالغ الناس في ترديد ألفاظ القرآن، وتوافروا كل يوم على قراءته ألف مرة بجميع وجوهه التي نزل فيها.
وهنا ت لمح السر في تأخر مسلمة هذا الزمان على رغم وفرة المصاحف في أيديهم ووجود ملايين الحفاظ بين ظهرانيهم، وعلى رغم كثرة عددهم واتساع بلادهم، في حين أن سلفنا الصالح نجحوا بهذا القرآن نجاحا مدهشا، كان وما زال موضع إعجاب التاريخ والمؤرخين، مع أن أسلافنا أولئك كانوا في قلة من العدد وضيق من الأرض، وخشونة من العيش، ومع أن نسخ القرآن ومصاحفه لم تكن ميسورة لهم ومع أن حفاظه لم يكونوا بهذه الكثرة الغامرة.
أجل إن السر في ذلك هو أنهم توافروا على دراسة القرآن، واستخراج كنوز هدايته يستعينون على هذه الثقافة بمواهبهم الفطرية وملكاتهم السليمة العربية من ناحية، وبما يشرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبينه لهم بأقواله وأعماله، وأخلاقه وسائر أحواله، كما قال سبحانه (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) وعلى ذلك كان همهم الأول هو القرآن الكريم، يحفظونه ويفهمونه، قبل أن يحفظوه ثم يعملون بتعاليمه بدقة، ويهتدون بهديه في يقظة.
بهذا وحده صفت أرواحهم، وطهرت نفوسهم، وعظمته آثارهم، لان الروح الانساني هو أقوى شئ في هذا الوجود، فمن صفى وتهذب، وحسن توجيهه وتأدب أتى بالعجب العجاب، (والله عنده حسن الثواب).
وكذلك أتت الأمة العربية بالعجب العجاب في الهداية والارشاد وإنقاذ العالم وإصلاح البشر، وكتب الله لهم النصر والتأييد، والدولة والظفر، حتى على أقوى الدول المعادية لدعوة الحق والاصلاح في ذلك العهد: دولة الفرس في الشرق ودولة الرومان في الغرب، تلك محوها من لوح الوجود بهدم طغيانها وإسلام شعبها، وهذه سلبوها ما كان في حوزتها م ممالك الشرق وشعوبه الكثيرة ثم دانت لهم الدنيا، فاستولوا على بعض بلاد أوربا، وأقاموا فيها دولة عربية شامخة البنيان، كانت بهجة وزينة الحياة، وفيها شع النور على الشعوب الأوربية وكانت النواة الناجحة في نهضتهم الحديثة الحاضرة " تلك هي فردوس الأندلس المفقود ".
أما غالب مسلمة اليوم فقد اكتفوا من القرآن بألفاظ يرددونها، وأنغام يلحنونها في المآتم والمقابر والدور، وبمصاحف يحملونها أو يودعونها بركة في البيوت، ونسوا أن البركة العظمى هي في تفهم القرآن وتدبره، وفي الجلوس إليه والاستفادة من هديه وآدابه، ثم في الوقوف عند أوامره ومراضيه، والبعد عن مساخطه ونواهيه، والله تعالى يقول: (كتاب أنزلناه إليك ما برك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) ويقول جل ذكره (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).
فما أشبه المسلمين اليوم بالعطشان يموت من الظمأ والماء بين يديه، وبالحيوان يهلك من الاعياء من حوله يهديه السبيل لو فتح عينيه.. وذلك هو الخسران المبين.
إلا أن آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها، وهو أن يعودا إلى كتاب الله يستلهمونه الرشد
مقدمة التحقيق 9
ويستمنحونه الهدى، ويحكمونه في نفوسهم، وفي كل ما يتصل بهم، كما كان آباؤنا الأولون يتلونه حق تلاوته، بتدبر وتفكر في مجالسهم ومساجدهم وأنديتهم، وبيوتهم، وفي صلواتهم المفروضة والنافلة، وفي تهجدهم بالليل والناس نيام، حتى ظهرت آثاره الباهرة عاجلة فيهم، فرفع نفوسهم، وانتشلها من حضيض الوثنية وأعلى هممهم، وهذب أخلاقهم، وأرشدهم إلى الانتفاع بقوى الكون ومنافعه وكان من وراء ذلك أن مهروا في العلوم والفنون والصناعات، كما مهروا في الاخلاف والآداب والاصلاح والارشاد، ووصلوا إلى غاية بزوا فيها كل أمم الدنيا، حتى قال بعض فلاسفة الغرب في كتابه (تطور الأمم) ما نصه: " إن ملكة الفنون لا تستحكم في أمة من الأمم إلا في ثلاثة أجيال، جيل التقليد، وجيل الخضرمة، وجيل الاستقلال، وشذ العرب وحدهم فاستحكمت فيهم ملكة الفنون في جيل واحد ".
مما تقدم يتبين أن فائدة التفسير هي التذكر والاعتبار، ومعرفة هداية الله في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق ليفوز الافراد والمجاميع بخير العاجلة والآجلة.
ويتبين أن هذا العلم من أشرف العلوم العربية والدينية، إن لم يكن أشرفها جميعها، وذلك لسمو موضوعه، وعظم فائدته. ه‌ ملخصا من مناهل العرفان.
والتفسير ينقسم إلى قسمين: بالمأثور، وتفسير بالرأي.
هو ما جاء في القرآن أو السنة أو كلام الصحابة بيانا لمراد الله تعالى من كتابه:
(1) مثال ما جاء في القرآن قوله سبحانه (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) فإن كلمة - من الفجر - بيان وشرح للمراد من كلمة " الخيط الأبيض " التي قبلها.
(2) مثال ما جاء في السنة شرحا للقرآن، أنه صلى الله عليه وسلم فسر الظلم بالشرك في قوله سبحانه:
(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون) وأيد تفسيره هذا بقول الله تعالى
(إن الشرك لظلم عظيم).
(3) مثال ما جاء عن الصحابة: روي أن رجلا أتى ابن عمر يسأله عن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما، فقال: اذهب إلى ابن عباس، ثم تعال أخبرني، فسأله فقال: كانت السماوات رتقا لا تمطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت، ففتق هذه بالمطر وهذه بالنبات، فرجع إلى ابن عمر فأخبره، فقال: قد كنت أقول ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه أوتي علما ".
وقد اشتهر من الصحابة بالتفسير: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن خلف وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير.
ومن المفسرين بالمأثور:
(1) ابن جرير الطبري المتوفى سنة 310 ه‌، كان فريد عصره، ووحيد دهره علما وعملا، وحفظا لكتاب الله، وخبرة بمعانيه، وإحاطة بالآيات ناسخها ومنسوخها، وبطرق الرواية صحيحها وسقيمها، وبأحوال
مقدمة التحقيق 10
الصحابة والتابعين. لذلك كان تفسيره من أجل التفاسير وأصحها وأجمعها لما ورد عن الصحابة والتابعين.
(2) أبو الليث السمرقندي.
(3) الامام جلال الدين السيوطي وكتابه " الدر المنثور بالتفسير بالمأثور ".
(4) عماد الدين أبو الفداء، اشتهر تفسيره بتفسير ابن كثير. وتفسيره هذا من أصح التفاسير بالمأثور إن لم يكن أصحها جميعا. نقل فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة والتابعين.
(5) أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، وتفسيره هو تفسير البغوي، كان إماما في التفسير والحديث، له التصانيف المفيدة.
التفسير بالرأي وهو جائز إن استوفى شروطه، وأمهات شروطه أربعة.
الأولى: النقل عن رسول الله صلى الله وسلم مع التحرز عن الضعيف والموضوع.
الثانية: الاخذ بقول الصحابي فقد قيل: إنه في حكم المرفوع مطلقا وخصه بعضهم بأسباب النزول ونحوها مما لا مجال للرأي فيه.
الثالثة: الاخذ بمطلق اللغة مع الاحتراز عن صرف الآيات إلا ما لا يدل عليه الكثير من كلام العرب.
الرابعة: الاخذ بما يقتضيه الكلام، ويدل عليه قانون الشرع.
فمن فسر القرآن برأيه أي باجتهاده ملتزما الوقوف عند هذه المآخذ، معتمدا عليها فيما يرى من معاني القرآن، كان تفسيره سائغا جائزا، خليقا بأن يسمى التفسير الجائز، والتفسير المحمود، ومن حاد عن هذه الأصول وفسر القرآن غير معتمد عليها كان تفسيره ساقطا مردودا خليقا بأن يسمى التفسير غير الجائز، أو التفسير المذموم.
أهم كتب التفسير بالرأي.
1 - تفسير البيضاوي 2 - تفسير الفخر الرازي.
3 - تفسير أبو السعود.
4 - تفسير النيسابوري.
5 - تفسير الآلوسي.
6 - تفسير النسفي.
7 - تفسير الخطيب.
مقدمة التحقيق 11
8 - تفسير الخازن، وهو يشتمل على كثير من التفسير بالمأثور، ومن مزاياه أنه يتبع القصة ببيان ما فيها من باطل حتى لا ينخدع غر ولا يفتتن بها جاهل.
9 - تفسير الجلالين - للامام جلال الدين محمد المحلي الذي كتب من سورة الكهف إلى آخر القرآن والامام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي الذي كتب من أول البقرة إلى آخر سورة الإسراء. وهو كتاب قيم، سهل المأخذ إلى حد ما، مختصر العبارة كثيرا، يكاد يكون أعظم التفاسير انتشارا ونفعا، وإن كان أصغرها أو من أصغرها شرحا وحجما، تداولته طبقات مختلفة من أهل العلم وغيرهم، وطبع طبعات كثيرة متنوعة، طبع مرة واحدة مجردا وأخرى بحاشية المصحف، وثالثة مع حاشية الصاوي، ورابعة مع حاشية الجمل، وأوسع حواشيه حاشية الجمل، والعجيب أن كثيرا من فطاحل العلماء كانوا يختارونه لا على دراسة عرفت في التفسير، كمادة أساسية يدورون حولها ويستلهمون وحيها، حتى إن دروس التفسير الشهيرة للعلامة المرحوم الشيخ محمد عبده كانت مادته تفسير الجلالين. ه‌ ملخصا من مناهل العرفان.
والحق أن هذا الكتاب في تفسير كتاب الله عظيم، وهو يشير بالرمز إلى كثير من المسائل التي يشرحها غيره بأسلوب مطلول وكلام غزير، ومن كان أكثر علما كان أكثر إدراكا لما يرمز إليه، على أن الرجل العادي يستطيع أن يفهم الآية مما يقرؤه في هذا ا لتفسير لأنه يوقفك على المعنى من أقرب الطرق وبأوضح العبارة، دون أن تضيع في مهامه من الأقوال والإيرادات، لا جرم عكف عليه المسلمون، واتخذوه منارا يهتدون به إلى فهم كتاب الله عز وجل. على أنه ينبغي على القارئ أن يعلم أن المفسرين رحمهما الله تعالى قد ضبطا بعض الآيات القرآنية على رواية تختلف عن رواية حفص المشهورة فليتنبه القارئ لذلك ولا يتشوش وليعلم أن هذه الروايات هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
ولما كان هذا التفسير كثير النفع وأقبل عليه المسلمون، رأت دار المعرفة للطباعة والنشر في بيروت - لبنان أن تقوم بطبعه على حاشية المصحف الشريف المشهور بمصحف الملك بالرسم العثماني المعتمد الموافق في رسمه لمصحف سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه. وكان لها شرف السبق لهذا العمل إذ لم يسبقها إليه أحد من دور النشر العربية فيما أعلم.
ودار المعرفة بعملها هذا ترجو أن ينفع الله به وأن يقبل الشباب عليه حتى يفهموا كتاب الله، ففي ذلك الهدى إلى سعادة الدارين، والوصول إلى عزة الاسلام الأبدية.
مقدمة التحقيق 12
نقاش وتصحيح لبعض الآراء التي جاءت في تفسير الجلالين جاء في تفسير الجلالين تفسير لبعض الآيات كان للعلماء خلاف في المراد منها وقد اختار المفسران تفسير الجلالين بعض الآراء التي خالفا فيها الكثير من العلماء والمفسرين.
وقد رأينا أن ننبه على بعضها مما يتعلق بإسرائيليات أو غيرها لم تجمع الآراء عليها، بل كان للعلماء فيها أكثر من وجه. فمنها:
(1) قوله تعالى: (ولا تقربا هذه الشجرة) " سورة البقرة آية 35).
أقول: وهناك أقوال كثيرة في تعيين هذه الشجرة التي نهى الله سبحانه آدم وزوجه عن القرب منها، غير أنه لم يرد دليل من كتاب الله وسنة رسوله يمكن أن يصار إليه في تعيين هذه الشجرة، وقد أبهمها الله، فلم يعينها، فالأولى أن يترك أمر تعيينها، ولنؤمن أنها شجرة ما، لم نعرفها بعينها، ولا حاجة لان نعرفها بالتحديد.
إذ لا يترتب على معرفتها شئ من الفائدة، والنهي عن الاكل منها لحمة يعلمنها ربنا، وأقل ما يقال في ذلك أنه ابتلاء من الله سبحانه لآدم وزوجه، ولبيان أن هذه الحياة التي قام عليها أمر البشرية حياة ابتلاء واختبار (خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا).
(2) ومنها قوله تعالى: (فقلنا اضربوه ببعضها) سورة البقرة آية 73 أقول: لم يرد تعيين الذي ضرب به القتيل ليحيا، ولا يصار إلى تعينه إلا بخبر صحيح يعتمد عليه، فلا حاجة لتعينه بالتخرص إذ ظاهر الآية أن أي عضو من أعضاء البقرة ضرب به القتيل أعاد الحياة إليه، وأعرب عن قاتله.
(3) قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان..) سورة البقرة آية 102 أقول: قال الشيخ أحمد مصطفى المراغي في تفسيره: وقد زعموا أن سليمان هو الذي جمع كتب السحر من الناس ودفنها تحت كرسيه، ثم استخرجها الناس وتناقلوها، وهذا من مفتريات أهل الأهواء فنسبوها إليه كذبا وبهتانا.
والسيوطي رحمه الله نقل كلاما قيل قبله، فنقله كما قيل، ولم يعتمده ولم يرده بل ترك الامر للقارئ
مقدمة التحقيق 13
ليمحص هو، والشيخ كان على معرفة كاملة بصحة ما قيل، أو بعدم صحته، ولكن العلماء كانت لهم أساليبهم، فربما نقلوا الخبر دون تعليق وربما علقوا عليه بحسب ما يرون من الحاجة، وفي كل ذلك كانت مقاصدهم عظيمة ورائعة، ولا يجوز بحال الطعن فيهم، والنقص من قدرهم، رحمهم الله ورضي عنهم، فإنهم على سلم فضلهم صعد الخلف.
(4) قوله تعالى (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) سورة البقرة آية 124.
أقول: وإنما اختلف العلماء في الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم خليله، لان القرآن لم يعينها، ومن ثم تعددت الآراء فيها، والظاهر أنها أوامر الدين ونواهيه، فكل ما كلف به إبراهيم عليه السلام من أمر ونهي قام به أتم قيام والمضمضة والاستنشاق وغيرهما من خصال الفطرة التي ذكرها الامام السيوطي وغيره بعض من هذه الأمور.
(5) قوله تعالى: (وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت..) سورة البقرة آية 248.
أقول: ما ذكره الشيخ الطوسي هنا هو ما ذكر عامة المفسرين عند هذه الآية ولكن الشئ الذي يلفت النظر، هو أن التابوت كما قال الشيخ المراغي وصف في بعض الكتب بأوصاف هي غاية في الغرابة في كيفية صنيعه، وجمال منظره، وما تحلى به من الذهب ودخل في تركيبه من الخشب الثمينة.
والأولى في هذا كله أن يترك لفظ التابوت على إطلاقه ما لم يرد نص يعتمد عليه فعندهما تعين ماهيته.
(6) قوله تعالى (كل الطعام كلا حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة) سورة آل عمران آية 93.
أقول: ما ذكره الشيخ السيوطي هنا ذكره كذلك عامة المفسرين، ودق ورى الطبري بسنده عن ابن عباس أن عصابة من اليهود حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم، أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا، فطال سقمه منه، فنذر لله نذرا، لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن من أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها، فقالوا: اللهم نعم ".
والظاهر أن المحرم كان على نوعين: ما حرمه إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة كما هو صريح هذه الآية، وما حرمه الله عليهم بعد نزول التوراة بسبب ذنوب ارتكبوها، كما قال تعالى: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم).
(7) قوله تعالى: (وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ..) سورة الأعراف آية 145.
أقول: ما ذكره الشيخ السيوطي هنا من وصف الألواح بأنها كانت منسدر الجنة، أو زبرجد وزمرد،
مقدمة التحقيق 14
جائر عقلا، ولكنه يحتاج إلى نص يصح الاعتماد عليه في ذلك، وليس مهما أن نعرف نوعية الألواح، ولا أجناسها، ولكن المهم أن نعرف ما احتوت عليه، فبين الله سبحانه لنا ما نحتاج إليه دون غيره، وليس في تعيينها ما يضر ولا ينفع، ومن تساهل المفسرون في نقل نقل ذلك، ولو أن الامر يبنى عليه حكم شعري لوقف المفسرون رحمهم الله من ذلك موقف العالم الممحص يقول: هذا صح إسناده، وذاك ضعيف أو موضوع لا يصار إليه.
(8) قوله تعالى: (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) سورة يوسف آية 24 أقول ما ذكره السيوطي رحمه الله قال به كثير من المفسرين وأنكره كثير منهم وأجمعوا قاطبة على أن يوسف عليه السلام لم يفعل المنكر، لأنه رأى برهان ربه فاقتنع، ولكن الهم هذا على المعنى الذي ذكره السيوطي رحمه الله أكثره الكثيرون، حتى قال الفخر الرازي: إن يوسف عليه السلام كان بريئا من العمل الباطل، والهم المحرم، وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين، وبه نقول، وعنه نذب، فإن الدلائل قد دلت على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وأما ما روي عن ابن عباس أنه جلس فيها مجلس الخائن فحاشا ابن عباس أن يقول مثل بهذا عن يوسف عليه الصلاة خ والسلام، ولعل بعض أصحاب القصص وأصحاب الاخبار وضعوه على ابن عباس، وكذلك ما روي عن مجاهد وغيره أيضا فإنه لا يكاد يصح بسند صحيح، وبطل ذلك كله، وثبت ما بيناه من براءة يوسف عليه الصلاة والسلام ه‌. وقد فسر همه بزجرها ووعظها، وقيل: هم بضربها ودفعها، وقيل: هذا كله كان قبل نبوته. وعلى كل حال، فالهم همان: هم ثابت، وهو ما كان معه عزم وقصد وعقيدة ورضا مثل هم امرأة العزيز، فالعبد المأخوذ به، وهم عارض، وهو الخطرة في القلب، وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم مثل يوسف عليه الصلاة والسلام، فالعبد غير مأخوذ به ما لم يتكلم أو يعمل به، ولو كان همه كهمها لما مدحه الله تعالى بأنه من عباده المخلصين.
(9) (وما أبرئ نفسي إن النفسي لأمارة بالسوء...) سورة يوسف آية 53.
أقول: ما ذكره الامام السيوطي هنا هو أحد قولين للمفسرين، وهو أنه من كلام يوسف عليه السلام، وقد بين السيوطي رحمه الله تعالى أنه قاله تواضعا لله، لأنه ما أراد أن يزكي نفسه (فلا تزكوا أنفسكم) فكان في قوله: (وما أبرئ نفسي) هضم للنفس، وانكسار وتواضع لله عزو وجل، فإن تبرئة النفس في مقام العصمة والتزكية ذنب عظيم فأراد إزالة ذلك عن نفسه فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
والامام السيوطي بين أن المراد من النفس في قوله (ان النفس) الجنس أي النفوس من حيث هي تأمر بالسوء لا النفوس الشريفة العالية كنفوس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والقول الثاني للمفسرين أنه من كلام امرأة العزيز، وعلى هذا يكون المعنى، وما أبرئ نفسي من مراودتي يوسف عن نفسه وكذبي عليه.
(10) قوله تعالى: (حتى إذا لقيا غلاما فقتله) سورة الكهف آية 74
مقدمة التحقيق 15
أقول: ما ذكر الامام جلال الدين المحلي هنا من وصف الآلة والهيئة التي قتل بها وعليها الغلام يحتاج إلى نص يصلح للاعتماد، ثم لا حاجة إلى معرفة ذلك، والمهم أن صاحب موسى قتل الغلام، والسلام.
(11) قوله سبحانه (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي...) سورة الحج آية 52 أقول: ذكر الامام الصباوي في حاشيته ما نصه: وما ذكره المفسر من قصة الغرانيق رواية عامة المفسرين الظاهريين، قال الرازي: أما أهل التحقيق فقد قالوا: هذه الرواية باطلة موضوعة، واحتجوا على البطلان بالقرآن والسنة والمعقول، أما القرآن فبوجوه: أحدها قوله تعالى (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين) ثانيها (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي أن أتبع إليا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) ثالثها: قوله تعالى:
(وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) وأما السنة فمنها ما روي عن محمد بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة، فقال هي من وضع الزنادقة، وقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، فقد روى البخاري في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم وسجد المسلمون والكفار والانس والجن، وليس فيه حديث الغرانيق وأما المعقول فمن أوجه. أحدها أنه من جوز على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما للأوثان فقد كفر، ثانيها لو كان الالقاء على الرسول ثم الإزالة عنه لكانت عصمته من أول الامر أولى، وهو الذي يجب علينا اعتقاده في كل نبي، ثالثها وهو أقوى الأوجه أنا لو جوزنا ذلك لارتفع الأمان عن شرعه، ثم قال الرازي وقد عرفنا أن هذه القصة موضوعة، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل العقلية والنقلية المتواترة، قال الخطيب، ثم قال: وهذا هوا لذي يطمئن إليه القلب، وإن أطنب ابن حجر العسقلاني في صحتها ه‌.
ويكون معنى الآية على هذا التحقيق: ألقى الشيطان في أمنيته، أي تلاوته شبها وتخيلات في قلوب الأمم، بأن يقول لهم الشيطان،: هذا سحر وكهانة، فينسخ الله تلك الشبه من قلوب من أراد لهم الهدى، ويحكم الله آياته في قلوبهم، والله عليهم بما ألقاه الشيطان في قلوبهم، حكيم في تسليطه عليهم، ليميز المفسد من المصلح ه‌.
(12) قوله تعالى: (فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة..) سورة الشعراء آية 189.
أقول: ما ذكره المفسر هنا هو قول ابن عباس رضي الله عنهما، فقد قال محمد بن جرير: حدثني الحارث..
حدثني يزيد الباهلي، سألت أبن عباس عن هذه الآية (فأخذهم عذاب يوم الظلمة) قال: بعث الله عليهم رعدة وحرا شديدا، فأخذ بأنفاسهم فخرجوا من البيوت هرابا، إلى البرية فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس فوجدوا لها بردا ولذة، فنادى بعضهم بعضا، حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم نارا. قال ابن عباس: فذلك عذاب يوم الظلة، إنه كان عذاب يوم عظيم ".
(13) قوله تعالى: (ولها عرش عظيم) سورة النمل آية 23.
أقول: ما وصف به الامام المحلي هذا السرير لم يرد به دليل صحيح يعتمد عليه، والواصفون له أخذوا هذه الأوصاف من فهمهم لقوله تعالى: (ولها عرض عظيم) فقد وصفه الله بالعظم، فمهما بالغوا في وصفه فإنه
مقدمة التحقيق 16
متوافق مع قوله تعالى: (عظيم) والأولى الوقوف عند ما ذكر القرآن دون التخيل لأوصاف لم يرد بها تفصيل، وحسبنا أنه عرش عظيم.
(14) قوله تعالى: (وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) سورة النمل الآية 35 أقول: وكذلك ما وصفه المفسرون لهذه الهدية، وما ذكره هنا لم يرد به ما يعتمد عليه وحسبنا أنها أرسلت إليه بهدية تليق به. وقد قال ابن كثير: سأبعث إليه بهدية تليق بمثله، وأنظر ما ذا يكون جوابه، وقال أيضا:
ذكر غير واحد من المفسرين من السلف وغيرهم أنها بعثت إليه بهدية عظيمة من ذهب وجواهر ولآلئ وغير ذلك وقال بعضهم: أرسلت إليه بلبن من ذهب والصحيح أنها أرسلت إليه بآنية من ذهب إلى أن قال:
فأجرى أي سليمان الخيل حتى عرقت إلى أن قال: وأكثره مأخوذ من الإسرائيليات والظاهر أن سليمان لم ينظر إلى ما جاؤوا به بالكلية، ولا اعتنى به، بل أعرض عنه، وقال منكر " أتمدونن بمال.. ".
(15) قوله تعالى: (قيل لها ادخلي الصرح..) سورة النمل رقم 44.
أقول: ما ذكره المفسر هنا هو ما ذكره عامة المفسرين، وهذا كأمثاله يحتاج إلى سند صحيح، والله أعلم بصحة ذلك، غير أن البخاري أخرج في تاريخه والعقيلي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول من صنعت له الحمامات سليمان ".
(6) قوله تعالى: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه..) سورة الأحزاب الآية 37 أقول: ما ذكره المفسر هنا من أنه صلى الله عليه وسلم كان يخفي في نفسه محبتها مردود وغير لائق بجناب النبي صلوات الله وسلامه عليه إذا لا يعقل أن تقع في نفسه امرأة هي على عصمة رجل آخر وحاشاه من ذلك فقد قال الامام الصاوي: وهذا القول مردود لما تقدم أنه ينزه عنه رسول الله والصواب أنه يقول: إن الذي أخفاه في نفسه هو ما أخبره الله به من أنها ستصير إحدى زوجاته بعد طلاق زيد لها.
(17) (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا..) سورة الأحزاب الآية 67.
أقول: ما ذكره المفسر هنا جاء في حديث صحيح، فقد قال الامام السيوطي في تفسيره الدر المنثور:
أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري والترمذي وابن جرير وابن أبي جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى عليه السلام كان رجلا حييا ستيرا، لا يرى من جلده شئ استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل وقالوا: ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده، إما برص، وإما أدرة، وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا، وإن موسى عليه السلام خلا يوما وحده فوضع ثيابه على حجر ثم اغتيل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عليه السلام عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملا من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله، وأبرأه الله مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه
مقدمة التحقيق 17
فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه: ثلاثا أو أربعا أو خمسا ".
(18) قوله تعالى (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب..) سورة ص الآيات 21 و 22 و 23 و 24.
أقول: قال الصاوي في حاشيته على الجلالين عند هذا الكلام: " مشى المفسر على أن داود سأل أوريا طلاق زوجته، ثم بعد وفاء عدتها تزوجها داود ودخل بها، وهو أحد أقوال ثلاثة، والثاني أن داود لما تعلق قبله بها أمر " أوريا " ليذهب للجهاد ليقتل فيتزوجها، ففعل، فلما قتل في الجهاد تزوجها داود، والثالث أن " أوريا " لم يكن متزوجا بها، وإنما خطبها فقط، فخطبها داود على خطبته وتزوجها ثم قال الصاوي: وكان ذلك كله جائزا في شرعه، وإنما عاتبه الله لرفعة قدره، وللسيد أن يعاقب عبده على ما يقع منه، وإن كان جائزا من باب " حسنات الأبرار سيئات المقربين " ه‌.
ولكن قال في الخازن عند تفسير هذه الآية أو عند ذكر هذه القصة التي ذكرها المفسر " اعلم أن من خصه الله بنبوته، وأكرمه برسالته، وشرفه على كثير من خلقه لا يليق أن ينسب إليه ما لو نسب إلى آحاد الناس لاستنكف أن يحدث عن نفسه، فكيف يجوز أن ينسب إلى بعض أعلام الأنبياء، والصفوة الامناء ذلك، وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه قال:
" من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة، وهو حد الفرية على الأنبياء " وقال القاضي عياض: " لا يجوز أن يلتفت إلى ما سطره الأخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا ونقله بعض المفسرين ولم ينص الله تعالى على شئ من ذلك، ولا ورد في حديث صحيح، وليس في قصة داود وأوريا خبر ثابت، ولا يظن بنبي محبة، قتل مسلم، وهذا هو الذي ينبغي أن يقول عليه من أمر داود " وقال الامام فخر الدين الرازي: " حاصل القصة يرجع إلى السعي في قتل رجل مسلم بغير حق، وإلى الطمع في زوجته، وكلاهما منكر عظيم فلا يليق بعاقل أن يظن بداود عليه الصلاة والسلام هذا ". وقال غيره: " إن الله تعالى أثنى على داود قبل القصة وبعدها، وذلك يدل على استحالة ما نقلوه من القصة، فكيف يتوهم عاقل أن يقع بين مدحين ذم، ولو جرى ذلك من بعض الناس في كلامه لاستهجنه العقلاء، ولقالوا: أنت في مدح شخص فكيف تجري ذمه أثناء مدحك، والله تعالى منزه عن مثل ذلك.
وقد قيل: إن داود تمنى أن تكون امرأة " أوريا " له، فاتفق أن " أوريا " هلك في الحرب فلما بلغ داود قتله لم يجزع عليه كما جزع على غيره من جنده، ثم تزوج امرأته فعاتبه الله على لان ذنوب الأنبياء وإن صغرت فهي عظيمة عند الله فهذه هي الفتنة في قوله: (وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه...)
ه‌ كلام الخازن ببعض تصرف. أما ابن كثير فلم يذكر القصة بل قال: " قد ذكر المفسرون ها هنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم يجب اتباعه.
(19) قوله تعالى: (ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق) سورة ص الآية 33.
أقول: إن الذي ذكره المفسر هو قول ابن عباس وأكثر المفسرين وكان ذلك مباحا له لان نبي الله سليمان لم
مقدمة التحقيق 18
يكن ليقدم على محرم، ولم يكن ليتوب عن ذنب وهو ترك الصلاة بذنب آخر، وهو عقر الخيل، وقال الامام فخر الدين: بل التفسير الحق المطابق لألفاظ القرآن أن نقول: " إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم، كما أنه كذلك في ديننا، ثم إن سليمان عليه الصلاة والسلام احتاج إلى غزو فجلس وأمر باحضار الخيل، وأمر باجرائها، وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وقد أمر بإعدائها واجرائها حتى توارت بالحجاب أي غابت من بصره، ثم أمر برد الخيل إليه هو قوله: (ردوها علي) فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها والغرض من ذلك المسح أمور، الأول: تشريفا لها لكونها أعظم الأعوان في دفع العدو، الثاني أنه أراد أن يظهر أنه من ضبط السياسة والمملكة يبلغ إلى أن يباشر الأمور بنفسه، الثالث أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها من غيره فكان يمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض، فهذا التفسير الذي ذكرناه ينطبق على لفظ القرآن، ولا يلزمنا شئ من تلك المنكرات والمحظورات، والعجب من الناس كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة ه‌ ملخصا من تفسير الخازن.
(20) قوله تعالى: (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب) سورة ص الآية 34.
أقول: جاء في حاشية الصاوي عند كلام المفسر هذا، قال القاضي عياض وغيره من المحققين: لا يصح ما نقله الأخباريون من تشبه الشيطان بسليمان وتسلطنه على ملكه، وتصرفه في أمته بالجور في حكمه، وإن الشياطين لا يتسلطون على مثل هذا، وقد عصم الله تعالى الأنبياء من مثل هذا، والذي ذهب إليه المحققون أن سبب فتنته ما أوحاه ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، وفي رواية على مائة امرأة كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله تعالى: فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن جميعا، فلم تحمل منهم إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، وأيم الله الذي نفسي بيده، لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون " قال العلماء: " والشق هو الجسد الذي ألقي على كرسيه وفتنته من نسيان المشيئة فامتحن بهذا فتاب ورجع.
(21) قوله تعالى (في لوح محفوظ) سورة البروج الآية 22.
أقول: ما ذكر المفسرون من وصف اللوح يحتاج إلى نص يصحح الاعتماد عليه، ولا حاجة إلى وصف اللوح بأوصاف لم ترد في كتاب الله ولم تصح عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الشيخ المراغي في تفسيره: واللوح المحفوظ شئ أخبرنا الله به، وأنه أودعه كتابه، ولكن لم يعرفنا حقيقته، فعلينا أن نؤمن به، وليس علينا أن نبحث فيما وراء ذلك مما لم يأت به خبر من المعصوم صلوات الله عليه وسلامه.
مقدمة التحقيق 19
[ 1 ]
القرآن الكريم
بالرسم العثماني
وبهامشه
تفسير الامامين الجليلين
العلامة جلال الدين محمد بن أحمد المحلي
والعلامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي
مذيلا
بكتاب لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي
قدم له وراجعه
الأستاذ مروان سوار
مدقق المصاحف لدى وزارة الأوقاف السورية
دار المعرفة
بيروت - لبنان
[ 2 ]
* (سورة الفاتحة) *
مكية، سبع آيات بالبسملة إن كانت منها، والسابعة صراط الذين إلى آخرها، وإن لم تكن منها، فالسابعة غير
المغضوب إلى آخرها ويقدر في أولها قولوا ليكون ما قبل إياك نعبد مناسبا له بكونها من مقول العباد
بسم الله الرحمن الرحيم
(2) * (الحمد لله) * جملة خبرية
قصد بها الثناء على الله بمضمونها
على أنه تعالى مالك لجميع
الحمد من الخلق أو مستحق
لان يحمدوه، والله علم على المعبود بحق. * (رب العالمين) * أي
مالك جميع الخلق من الإنس والجن
والملائكة والدواب وغيرهم،
وكل منها يطلق عليه عالم، يقال
عالم الانس وعالم الجن إلى غير
ذلك، وغلب في جمعه بالياء
والنون أولي العلم على غيرهم، وهو
من العلامة لأنه علامة على موجده.
(3) * (الرحمن الرحيم) * أي ذي
الرحمة وهي إرادة الخير لأهله.
(4) * (مالك يوم الدين) * أي
الجزاء وهو يوم القيامة، وخص
بالذكر لأنه لا ملك ظاهرا فيه
لأحد إلا لله تعالى بدليل " لمن
الملك اليوم؟ لله " ومن قرأ
مالك فمعناه مالك الامر كله
في يوم القيامة أو هو موصوف
بذلك دائما " كغافر الذنب "
فصح وقوعه صفة لمعرفة.
(5) * (إياك نعبد وإياك
نستعين) * أي نخصك بالعبادة
من توحيد وغيره ونطلب
المعونة على العبادة وغيرها. (6) * (إهدنا الصراط المستقيم) * أي أرشدنا إليه ويبدل منه. (7) * (صراط الذين أنعمت
عليهم) * بالهداية ويبدل من الذين بصلته. * (غير المغضوب عليهم) * وهم اليهود * (ولا) * وغير
* (الضالين) * وهم النصارى
ونكتة البدل إفادة ان المهتدين ليسوا يهودا ولا نصارى. والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا، وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
[ 3 ]
* (سورة البقرة) *
مدنية مائتان وست أو سبع وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) * (ألم) * الله أعلم بمراده
بذلك.
(2) * (ذلك) * أي هذا
* (الكتاب) * الذي يقرؤه محمد.
* (لا ريب) * لا شك * (فيه) * أنه
من عند الله وجملة النفي خبر
مبتدؤه ذلك والإشارة به للتعظيم
* (هدى) * خبر ثان أي هاد
* (للمتقين) * الصائرين إلى التقوى بامتثال الأوامر واجتناب
النواهي لاتقائهم بذلك النار.
(3) * (الذين يؤمنون) * يصدقون
* (بالغيب) * بما غاب عنهم من
البعث والجنة والنار * (ويقيمون
الصلاة) * أي يأتون بها بحقوقها
* (ومما رزقناهم) * أعطيناهم
* (ينفقون) * في طاعة الله.
(4) * (والذين يؤمنون بما أنزل
إليك) * أي القرآن * (وما
أنزل من قبلك) * أي التوراة
والإنجيل وغيرهما * (وبالآخرة
هم يوقنون) * يعلمون.


نام کتاب : تفسير الجلالين نویسنده : السيوطي، جلال الدين    جلد : 1  صفحه : 3
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست