لذلك، ومنهم من أبى أن يهاجر، فيقول: والله لئن لم تخرجوا إلى دار الهجرة لا أنفعكم ولا أنفق عليكم شيئا أبدا. ومنهم من تتعلق به امرأته وولده ويقولون له: أنشدك بالله ألا تخرج فنضيع بعدك، فمنهم من يرق فيدع الهجرة ويقيم معهم، فنزلت " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الايمان ". يقول: [إن اختاروا] الإقامة على الكفر بمكة على الايمان بالله والهجرة إلى المدينة. " ومن يتولهم منكم " بعد نزول الآية " فأولئك هم الظالمون ". ثم نزل في الذين تخلفوا ولم يهاجروا: " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم " وهي الجماعة التي ترجع إلى عقد واحد كعقد العشرة فما زاد، ومنه المعاشرة وهي الاجتماع على الشئ. (وأموال اقترفتموها) يقول: اكتسبتموها بمكة. وأصل الاقتراف اقتطاع الشئ من مكانه إلى غيره. (وتجارة تخشون كسادها) قال ابن المبارك: هي البنات والأخوات إذا كسدن في البيت لا يجدن لهن خاطبا. قال الشاعر: كسدن من الفقر في قومهن * وقد زادهن مقامي كسودا (ومساكن ترضونها) يقول: ومنازل تعجبكم الإقامة فيها. (أحب إليكم) من أن تهاجروا إلى الله ورسوله بالمدينة. " وأحب " خبر كان. ويجوز في غير القرآن رفع " أحب " على الابتداء والخبر، واسم كان مضمر فيها. وأنشد سيبويه: إذا مت كان الناس صنفان: شامت * وآخر مثن بالذي كنت أصنع [1] وأنشد: هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها * وليس منها شفاء الداء مبذول [2] وفي الآية دليل على وجوب حب الله ورسوله، ولا خلاف في ذلك بين الأمة، وأن ذلك مقدم على كل محبوب. وقد مضى في " آل عمران " [3] معنى محبة الله تعالى ومحبة رسوله. (وجهاد في سبيله فتربصوا) صيغته صيغة أمر ومعناه التهديد. يقول: انتظروا. (حتى
[1] البيت للعجير السلولي. [2] البيت لهشام أخي ذي الرمة. (عن كتاب سيبويه). [3] راجع ج 4 ص 59.