وهو قوله: " لا تعبدون إلا الله " وعبادة الله إثبات توحيده، وتصديق رسله، والعمل بما أنزل في كتبه. الثانية - قوله تعالى: " لا تعبدون " قال سيبويه: " لا تعبدون " متعلق بقسم، والمعنى وإذ استخلفناهم والله لا تعبدون، وأجازه المبرد والكسائي والفراء. وقرأ أبي وابن مسعود " لا تعبدوا " على النهي، ولهذا وصل الكلام بالامر فقال: " وقوموا، وقولوا، وأقيموا، وآتوا ". وقيل: هو في موضع الحال، أي أخذنا ميثاقهم موحدين، أو غير معاندين، قاله قطرب والمبرد أيضا. وهذا إنما يتجه على قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي " يعبدون " بالياء من أسفل. وقال الفراء والزجاج وجماعة: المعنى أخذنا ميثاقهم بألا يعبدوا إلا الله، وبأن يحسنوا للوالدين، وبألا يسفكوا الدماء، ثم حذفت أن والباء فارتفع الفعل لزوالهما، كقوله تعالى: " أفغير الله تأمروني [1] ". قال المبرد: هذا خطأ، لان كل ما أضمر في العربية فهو يعمل عمله مظهرا، تقول: وبلد قطعت، أي رب بلد. قلت: ليس هذا بخطأ، بل هما وجهان صحيحان وعليهما أنشد سيبويه: ألا أيها ذا الزاجري أخضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي [2] بالنصب والرفع، فالنصب على إضمار أن، والرفع على حذفها. الثالثة - قوله تعالى: " وبالوالدين إحسانا " أي وأمرناهم بالوالدين إحسانا. وقرن الله عز وجل في هذه الآية حق الوالدين بالتوحيد، لان النشأة الأولى من عند الله، والنش ء الثاني - وهو التربية - من جهة الوالدين، ولهذا قرن تعالى الشكر لهما بشكره فقال: " أن اشكر لي ولوالديك [3] ". والاحسان إلى الوالدين: معاشرتهما بالمعروف، والتواضع لهما، وامتثال أمرهما، والدعاء بالمغفرة بعد مماتهما، وصلة أهل ودهما، على ما يأتي بيانه مفصلا في " الاسراء [4] " إن شاء الله تعالى.
[1] راجع ج 15 ص 276 [2] البيت لطرفة بن العبد في معلقته. [3] راجع ج 14 ص 65 [4] راجع ج 10 ص 238