في " سكرت " ظاهران، التشديد للتكثير والتخفيف يؤدي عن معناه. والمعروف أن " سكر " لا يتعدى. قال أبو على: يجوز أن يكون سمع متعديا في البصر. ومن قرأ " سكرت " فإنه شبه ما عرض لأبصارهم بحال السكران، كأنها جرت مجرى السكران لعدم تحصيله. وقد قيل: إنه بالتخفيف [من] سكر الشراب، وبالتشديد أخذت، ذكرهما الماوردي. وقال النحاس: والمعروف من قراءة مجاهد والحسن " سكرت " بالتخفيف. قال الحسن: أي سحرت. وحكى أبو عبيد عن أبي عبيدة أنه يقال: سكرت أبصارهم إذا غشيها سمادير [1] حتى لا يبصروا. وقال الفراء: من قرأ " سكرت " أخذه من سكور الريح [2]. قال النحاس: وهذه الأقوال متقاربة. والأصل فيها ما قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله تعالى، قال: هو من السكر في الشراب. وهذا قول حسن، أي غشيهم ما غطى أبصارهم كما غشي السكران ما غطى عقله. وسكور الريح سكونها وفتورها، فهو يرجع إلى معنى التحيير. قوله تعالى: ولقد جعلنا في السماء بروجا وزينها للناظرين [16] لما ذكر كفر الكافرين وعجز أصنامهم ذكر كمال قدرته ليستدل بها على وحدانيته. والبروج: القصور والمنازل. قال ابن عباس: أي جعلنا في السماء بروج الشمس والقمر، أي منازلهما. وأسماء هذه البروج: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت. والعرب تعد المعرفة لمواقع النجوم وأبوابها من أجل العلوم، ويستدلون بها على الطرقات والأوقات والخصب والجدب. وقالوا: الفلك اثنا عشر برجا، كل برج ميلان ونصف. وأصل البروج الظهور، ومنه تبرج المرأة بإظهار زينتها. وقد تقدم هذا المعنى في النساء [3]. وقال الحسن وقتادة: البروج النجوم، وسميت بذلك لظهورها وارتفاعها. وقيل: الكواكب العظام، قال أبو صالح،
[1] السمادير: ضعف البصر. وقيل: هو الذي يتراءى للانسان من ضعف بصره عند السكر من الشراب. [2] سكونها بعد الهبوب. [3] راجع ج 5 ص 284.