responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 1  صفحه : 2
ما شرح له فيه، ويخشى الله ويتقيه، ويراقبه ويستحييه. فإنه حمل أعباء الرسل، وصار شهيدا في القيامة على من خالف من أهل الملل، قال الله تعالى: " وكذلك جعلناكم أمه وسطا لتكونوا شهداء على الناس [1] ". ألا وإن الحجة على من علمه فأغفله، أوكد منها على من قصر عنه وجهله. ومن أوتى علم القرآن فلم ينتفع، وزجرته نواهيه فلم يرتدع، وارتكب من المآثم قبيحا، ومن الجرائم فضوحا، كان القرآن حجه عليه، وخصما لديه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القرآن حجه لك أو عليك " خرجه مسلم. فالواجب على من خصه الله بحفظ كتابه أن يتلوه حق تلاوته، ويتدبر حقائق عبارته، ويتفهم عجائبه، ويتبين غرائبه، قال الله تعالى: " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته [2] ". وقال الله تعالى:
" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [3] ". جعلنا الله ممن يرعاه حق رعايته، ويتدبره حق تدبره، ويقوم بقسطه، ويفي بشرطه، ولا يلتمس الهدى في غيره، وهدانا لأعلامه الظاهرة، وأحكامه القاطعة الباهرة، وجمع لنا به خير الدنيا والآخرة، فإنه أهل التقوى وأهل المغفرة. ثم جعل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بيان ما كان منه مجملا، وتفسير ما كان منه مشكلا، وتحقيق ما كان منه محتملا، ليكون له مع تبليغ الرسالة ظهور الاختصاص به، ومنزلة التفويض إليه، قال اله تعالى: " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [4] ".
ثم جعل إلى العلماء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم استنباط ما نبه على معانيه، وأشار إلى أصوله ليتوصلوا باجتهاد فيه إلى علم المراد، فيمتازوا بذلك عن غيرهم، ويختصوا بثواب اجتهادهم، قال الله تعالى: " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات [5] ".
فصار الكتاب أصلا والسنة له بيانا، واستنباط العلماء له إيضاحا وتبيانا. فالحمد لله الذي جعل صدورنا أوعية كتابه، وآذاننا موارد سنن نبيه، وهممنا مصروفة إلى تعلمهما والبحث عن معانيهما وغرائبهما، طالبين بذلك رضا رب العالمين، ومتدرجين به إلى علم الملة والدين.
(وبعد * فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجمع علوم الشرع، الذي استقل بالسنة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض، رأيت أن أشتغل به مدى عمري، وأستفرغ


[1] آية 143 سورة البقرة.
[2] آية 29 سورة ص.
[3] آية 24 سورة القتال.
[4] آية 44 سورة النحل.
[5] آية 11 سورة المجادلة.


نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 1  صفحه : 2
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست