responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 1  صفحه : 1
الجامع لاحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي الجزء الأول أعاد طبعه دار احياء التراث العربي بيروت - لبنان 1405 ه‌ - 1985 م
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الثانية لعلنا في غير حاجة إلى تعريف القراء بهذا التفسير العظيم، بعد أن عرفوه في طبعته الأولى فأقبلوا عليه إقبالا منقطع النظير. إذ لم يكد يخرج منه جزء حتى تهافت عليه الجمهور، ممن عرفوا فضل القرطبي وعلمه وأدبه، ودقته في تأويل كتاب الله تعالى، وعرض أقوال الأئمة من جهابذة المحققين، وأولي البصر بكتاب الله من أعلام المجتهدين.
ولقد رأى القراء حين طلع عليهم تفسير القرطبي مبلغ ما بذله مؤلفه من جهد كبير، وعناية فائقة، يدلان على عمقه في البحث، ومقدرته على فهم كتاب الله، وإلمامه بأصول علوم الشريعة وفروعها، من لغة وأدب وبلاغة. يتجلى كل أولئك في استنباطه الأحكام الشرعية من نصوص الآيات الكريمة، حتى ليكاد يستغني به القارئ عن دراسة كتب الفقه، ثم في استشهاده بكثير من النصوص الأدبية من لغة العرب شعرها ونثرها، مما يشهد له بطول الباع وسعة الأفق.
وإن أخذ عليه شئ فليس إلا هنات يسيرة، لا تنقص من مقداره، ولا تغض من قيمته، فقد ينبو الحسام، وقد يكبد الجواد.
فمن ذلك أنه خالف أحيانا ما اشترطه على نفسه في مقدمة كتابه إذ يقول: "... وأضرب عن كثير من قصص المفسرين وأخبار المؤرخين، إلا ما لا بد منه، ولا غنى عنه للتبيين... "
مقدمة الطبعة الثانية وترجمة المؤلف 3
فليس مما لا بد منه أو لا غنى عنه ما ينقله عن كعب الأحبار: " أن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض كلها، فألقى في قلبه فقال: هل تدري ما على ظهرك يا لوثيا [1] من الأمم والشجر والدواب والناس والجبال! لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع. قال:
فهم لوثيا بفعل ذلك، فبعث الله دابة فدخلت في منخره، فعج إلى الله منها فخرجت [2].... ".
وليس مما لا بد منه: " أن الحية كانت خادم آدم عليه السلام في الجنة فخانته بأن مكنت عدو الله من نفسها وأظهرت له العداوة هناك، فلما هبطوا تأكدت العداوة وجعل رزقها التراب [3] ".
وليس مما لا بد منه ما يرويه عن ابن عباس قال: " سألت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد ما هو؟ قال: ملك من الملائكة معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله [4] ".
وليس مما لا بد منه ما ذكره عن كلب أصحاب الكهف والاختلاف في لونه وفي اسمه [5].
ولا ما يرويه عن الزهري في قوله تعالى " جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ": أن جبريل عليه السلام قال له: يا محمد لو رأيت إسرافيل إن له لاثني عشر ألف جناح، منها جناح بالمشرق، وجناح بالمغرب، وإن العرش لعلى كاهله، وإنه في الأحايين ليتضاءل لعظمة الله حتى يعود مثل الوصع [6].... ".
ولا ما ذكره في قوله تعالى: " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ": أن فوق السماء السابعة ثمانية أوعال [7] بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء، وفوق ظهورهن العرش [8] ".



[1] اسم الحوت.
[2] راجع ج 1 ص 257.
[3] ج 1 ص 313.
[4] ج 1 ص 327.
[5] راجع ج 10 ص 370.
[6] ج 14 ص 320 والوصع:
عصفور صغير.
[7] الأوعال: جمع وعل، وهو التيس الجبلي.
[8] ج 18 ص 267.
مقدمة الطبعة الثانية وترجمة المؤلف 4

إلى غير ذلك من الأمثلة التي ترد في مناسبات مختلفة، جارى فيها من سبقه من المفسرين
الذين ينقلون عن الإسرائيليات ولا يتحرون الدقة في المعلومات الكونية، خصوصا في الكلام
على خلق السماوات والأرض، وتأويل الآيات التي تتعرض للظواهر الطبيعية، أو تشير
إلى المسائل العلمية.
وللمؤلف في ذلك كثير من العذر، لأنه - رحمه الله - تابع فيه ثقافة عصره،
وما تجري به ألسنة العلماء في ذلك الزمان.
وقد رأت الدار - بعد أن تحققت حاجة الناس إلى هذا الكتاب، ورغبة الكثير من
العلماء في الأقطار الاسلامية في ذيوعه - أن تقرر إعادة طبعها تعميما للفائدة.
هذا وسيرى القارئ أننا حرصنا على أن تكون هذه الطبعة موافقة لسابقتها في أجزائها
وصفحاتها وأرقامها، إلا في تفاوت يسير، يستطيع القارئ أن يدركه في الصفحة التالية أو السابقة.
كما أننا نبهنا في هذه الطبعة إلى أمر لم يكن في سابقتها، فعندما يذكر المؤلف عبارة:
(على ما يأتي بيانه) نوضح ذلك في الهامش، مبينين موضعه من الكتاب حتى يسهل
على القارئ متابعة الدراسة، وربط الكلام بعضه ببعض، دون جهد أو عناء.
ولا يفوتني أن أنوه بفضل حضرات الزملاء الذين اشتركوا معي في تصحيح هذا الكتاب
في طبعته الأولى بعد جزئه الرابع، وهم السادة: الشيخ إبراهيم أطفيش، والشيخ بشندي
خلف الله، والشيخ محمد محمد حسنين.
والله المسؤول أن ينفع بهذا التفسير الجليل، وأن يجزي مؤلفه خير الجزاء، وأن يعين
القائمين بنشر التراث الاسلامي من أمثال هذا الكتاب العظيم. وأن يوفق " الدار " في تأدية رسالتها حتى تنهض بهذا العبء الكبير، وتقدم للعالم أجمع خير تراث تركه الأقدمون.
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.
مصححه
أحمد عبد العليم البردوني
16 من المحرم سنة 1372 (6 من أكتوبر سنة 1952).
مقدمة الطبعة الثانية وترجمة المؤلف 5

ترجمة
أبي عبد الله القرطبي
مؤلف هذا التفسير (1)
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح (بإسكان الراء وبالحاء المهملة)، الأنصاري
الخزرجي الأندلسي القرطبي المفسر، كأم من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين، الورعين
الزاهدين في الدنيا، المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة. أوقاته معمورة ما بين توجه
وعبادة وتصنيف.
مؤلفاته - جمع في تفسير القرآن كتابا كبيرا في اثني عشر مجلدا، سماه كتاب " الجامع
لاحكام القرآن، والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان " وهو من أجل التفاسير وأعظمها
نفعا، أسقط منه القصص والتواريخ، وأثبت عوضها أحكام القرآن، واستنباط الأدلة، وذكر
القراءات والاعراب والناسخ والمنسوخ (وهو هذا التفسير). وله كتاب " الأسنى، في شرح
أسماء الله الحسنى ". وكتاب " التذكار، في أفضل الأذكار ". وضعه على طريقة التبيان
للنووي، لكن هذا أتم منه وأكثر علما. وكتاب " التذكرة، بأمور الآخرة ". وكتاب " شرح
التقصي ". وكتاب " قمع الحرص بالزهد والقناعة، ورد ذل السؤال بالكتب والشفاعة ".
قال ابن فرحون: لم أقف على تأليف أحسن منه في بابه. وله " أرجوزة جمع فيها أسماء
النبي صلى الله عليه وسلم ". وله تواليف وتعاليق مفيدة غير هذا. وكان مطرحا للتكلف،
يمشي بثوب واحد وعلى رأسه طاقية. قال صاحب نفح الطيب: إنه من الراحلين
من الأندلس.



[1] عن الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (مذهب مالك) لابن فرحون، ونفح الطيب للمقري.
مقدمة الطبعة الثانية وترجمة المؤلف 6

شيوخه - سمع من الشيخ أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي بعض شرحه " المفهم، لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ".
وحدث عن الحافظ أبي علي الحسن بن محمد بن محمد البكري، وحدث أيضا عن الحافظ
أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن حفص اليحصبي وغيرهما.
وكان مستقرا بمنية ابن خصيب، وتوفي ودفن بها في ليلة الاثنين التاسع من شوال
سنة 671، رحمه الله ورضي عنه.
مقدمة الطبعة الثانية وترجمة المؤلف 7

[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
قال الشيخ الفقيه الامام العالم العامل العلامة المحدث أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي
بكر فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي ثم القرطبي، رضي الله عنه:
الحمد لله المبتدئ بحمد نفسه قبل ان يحمده حامد، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
الرب الصمد الواحد، الحي القيوم الذي لا يموت، ذو الجلال والاكرام، والمواهب
العظام، والمتكلم بالقرآن، والخالق للانسان، و المنعم عليه بالايمان، والمرسل رسوله بالبيان،
محمدا صلى الله عليه وسلم ما اختلف الملوان (1)، وتعاقب الجديدان، أرسله بكتابه المبين، الفارق
بين الشك واليقين، الذي أعجزت الفصحاء معارضته، وأعيت الألباء مناقضته، وأخرست
البلغاء مشاكلته، فلا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. جعل أمثاله عبرا لمن تدبرها،
وأوامره هدى لمن استبصرها، وشرح فيه واجبات الأحكام، وفرق فيه بين الحلال والحرام،
وكرر فيه المواعظ والقصص للأفهام، وضرب فيه الأمثال، وقص فيه غيب الأخبار، فقال
تعالى " ما فرطنا في الكتاب من شئ (12) ". وخاطب به أولياءه ففهموا، وبين لهم فيه مراده
فعلموا. فقرءة القرآن حمله سر الله المكنون، وحفظة علمه المخزون، وخلفاء أنبيائه وأمناؤه، وهم
أهله وخاصته وخيرته وأصفياؤه، قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: " إن لله أهلين منا (3) "
قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: " هم أهل القرآن أهل الله وخاصته " أخرجه ابن ماجة
في سننه، وأبو بكر البزار في مسنده. فما أحق من علم كتاب الله أن يزدجر بنواهيه، ويتذكر


[1] المللون: الليل والنهار.
[2] آية 38 سورة الأنعام.
[3] في سنن ابن ماجة: " من الناس ".


نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 1  صفحه : 1
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست