من
حيث أفاض الناس)[١]. كانت قريش في الجاهلية لا تخرج إلى عرفات ويقولون
لا نخرج من الحرم ، وكانوا يقفون يوم عرفة بالمشعر الحرام وليلة العيد أيضا بها ،
وكان الناس الذين يحجون غيرهم يقفون بعرفات يوم عرفة كما كان إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق يفعلون ، فأمر الله أن يقف المسلمون كلهم يوم عرفة بعرفات ويفيضوا منها
عند الغروب إلى المشعر بقوله تعالى ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) ، والإفاضة
منها لا يمكن الا بعد الوقوف أو الكون بها.
(
فصل )
وقوله ( فإذا أفضتم من عرفات )[٢] بين تعالى فرض الموقفين عرفات والمشعر ،
أي إذا دفعتم من عرفات بعد الاجتماع بها فاذكروا الله عند المشعر الحرام.
أوجب الله على
الحاج كلهم أن يذكروا الله بالمشعر ، لان الامر شرعا على
الوجوب ، ولا يجوز أن يوجب الذكر فيه الا وقد أوجب الكون فيه ، ففي هذا
دلالة على أن الوقوف بالمشعر الحرام ليلة العيد فريضة كما ذهبنا إليه. وتقدير
الكلام : فإذا أفضتم من عرفات فكونوا بالمشعر الحرام واذكروا الله فيه ، اي اذكروه
تعالى بالثناء والشكر حسب نعمائه عليكم بالهداية ، فان الشكر يجب أن يكون على
حسب النعمة في عظم المنزلة كما يجب أن يكون على مقدارها لو صغرت النعمة ،
ولا يجوز التسوية بين من عظمت نعمته ومن صغرت نعمته ، يعنى اذكروه ذكرا فيه
بمثل هدايته إياكم [ وان كنتم قبل محمد وقبل الهدى لمن الضالين عن النبوة والشريعة
هداكم إليه ] [٣].