العجماوات [١]. ولا بأس ببيان موطن
هذا الامتياز من أقسام العلم الذي نبحث عنه ، مقدمة لتعريف العلم ولبيان علاقة المنطق
به ، فنقول :
١ ـ إذا ولد الإِنسان يولد وهو خالي النفس من كل فكرة
وعلم فعلي ، سوى هذا الاستعداد الفطري. فإذا نشأ وأصبح ينظر ويسمع ويذوق ويشم ويلمس
، نراه يحس بما حوله من الأشياء ويتأثر بها التأثر المناسب ، فتنفعل نفسه بها ،
فنعرف أن نفسه التي كانت خالية أصبحت مشغولة بحالة جديدة نسميها (العلم) ، وهي العلم الحسي الذي هو ليس إلا حسّ
النفس بالأشياء التي تنالها الحواس الخمس : (الباصرة ، السامعة ، الشامة ، الذائقة
، اللامسة). وهذا أول درجات العلم ، وهو رأس المال لجميع
العلوم [٢] التي يحصل عليها الإنسان ، ويشاركه فيه سائر الحيوانات
التي لها جميع هذه الحواس أو بعضها.
٢ ـ ثم تترقى مدارك الطفل فيتصرف ذهنه في صور المحسوسات
المحفوظة عنده ، فينسب بعضها إلى بعض : هذا أطول من ذاك ، وهذا الضوء أنور من الآخر
أو مثله ويؤلف بعضها من بعض تأليفاً قد لا يكون له وجود في الخارج ، كتأليفه لصور الأشياء
التي يسمع بها ولا يراها ، فيتخيل البلدة التي لم يرها ، مؤلفة من الصور الذهنية المعروفة
عنده من مشاهداته للبلدان. وهذا هو (العلم الخيالي) [٣]يحصل عليه الإنسان بقوة
(الخيال)
،
[٢] العلم الحسي وإن كان أول درجات العلم وبه
يستعد الإنسان لإدراك ما سواه من الدرجات المتعالية ، إلا أنه ليس رأس المال للعلوم
التي يحصل عليها الإنسان ، بل الذي هو رأس المال لجميع العلوم إنما هي البديهيات أعم
من أن تكون بديهيات تصورية أو تكون بديهيات تصديقية ، فإن الإنسان إنما يكتسب العلوم
التصورية النظرية بالاستعانة بالتصورات البديهية ويكتسب العلوم التصديقية النظرية بالتمسك
بالتصديقيات البديهية.
[٣]لا يخفى عليك : أنه (قدس سره) خلط الخيال
بالمتخيلة ، فإن ما ذكره من الأفعال إنما هي للمتخيلة التي تسمى متصرفة أيضا. وأما
العلم الخيالي فهو ما يحفظ في الذهن من صور المحسوسات بعد زوال الاتصال بالمحسوس الخارجي.
راجع الشفا : ٦ / ٣٦ وأسرار الحكم : ص ٢٢١.