نام کتاب : شرح نهج البلاغة نویسنده : ابن ابي الحديد جلد : 3 صفحه : 230
بل هو مباين للمخلوقين إلا أنه في جهة فوق و بينه و بين العرش بعد لا يتناهى .
هكذا يحكي المتكلمون عنه و لم أره في شيء من تصانيفه و أحالوا ذلك لأن ما لا يتناهى لا يكون محصورا بين حاصرين و أنا أستبعد عنه هذه الحكاية لأنه كان أذكى من أن يذهب عليه فساد هذا القول و حقيقة مذهب مثبتي المكان أنه سبحانه متمكن على العرش كما يتمكن الملك على سريره فقيل لبعض هؤلاء أ هو أكبر من العرش أم أصغر أم مساو له فقال بل أكبر من العرش فقيل له فكيف يحمله فقال كما تحمل رجلا الكركي جسم الكركي و جسمه أكبر من رجليه و منهم من يجعله مساويا للعرش في المقدار و لا يمتنع كثير منهم من إطلاق القول بأن أطرافه تفضل عن العرش و قد سمعت أنا من قال منهم إنه مستو على عرشه كما أنا مستو على هذه الدكة [1] و رجلاه على الكرسي الذي وسع السموات و الأرض و الكرسي تحت العرش كما يجعل اليوم الناس تحت أسرتهم كراسي يستريحون بوضع أرجلهم عليها .
و قال هؤلاء كلهم إنه تعالى ينزل و يصعد حقيقة لا مجازا و إنه يتحرك و ينزل فمن ذلك نزوله إلى السماء الدنيا كما ورد في الخبر و من ذلك إتيانه و مجيئه كما نطق به الكتاب العزيز في قوله سبحانه هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاََّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اَللََّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ اَلْغَمََامِ [2] و قوله وَ جََاءَ رَبُّكَ وَ اَلْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [3] .
و أطلق ابن الهيصم عليه هذه الألفاظ اتباعا لما ورد في الكتاب و السنة و قال لا أقول بمعانيها و لا أعتقد حركته الحقيقية و إنما أرسلها إرسالا كما وردت و أما غيره فاعتقد معانيها حقيقة و قال ابن الهيصم في كتاب المقالات إن أكثر الحشوية يجيز عليه تعالى العدو و الهرولة .