فلما قيل لهم في ذلك قالوا إنا نعرف مواضع السجود في الشعر كما تعرفون مواضع السجود في القرآن .
و إني لأطيل التعجب من رجل يخطب في الحرب بكلام يدل على أن طبعه مناسب لطباع الأسود و النمور و أمثالهما من السباع الضارية ثم يخطب في ذلك الموقف بعينه إذا أراد الموعظة بكلام يدل على أن طبعه مشاكل لطباع الرهبان لابسي المسوح الذين لم يأكلوا لحما و لم يريقوا دما فتارة يكون في صورة بسطام بن قيس الشيباني و عتيبة بن الحارث اليربوعي و عامر بن الطفيل العامري و تارة يكون في صورة سقراط الحبر اليوناني و يوحنا المعمدان الإسرائيلي و المسيح بن مريم الإلهي .
و أقسم بمن تقسم الأمم كلها به لقد قرأت هذه الخطبة منذ خمسين سنة و إلى الآن أكثر من ألف مرة ما قرأتها قط إلا و أحدثت عندي روعة و خوفا و عظة و أثرت في قلبي وجيبا و في أعضائي رعدة و لا تأملتها إلا و ذكرت الموتى من أهلي و أقاربي و أرباب ودي و خيلت في نفسي أني أنا ذلك الشخص الذي وصف ع حاله و كم قد قال الواعظون و الخطباء و الفصحاء في هذا المعنى و كم وقفت على ما قالوه و تكرر وقوفي عليه فلم أجد لشيء منه مثل تأثير هذا الكلام في نفسي فإما أن يكون ذلك لعقيدتي في قائله أو كانت نية القائل صالحة و يقينه كان ثابتا و إخلاصه كان محضا