أنه جاءه رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجة، فقال (عليه السلام): يا أخا الأنصار صن وجهك عن بذلة المسألة، و ارفع حاجتك في رقعة، فإنّي آت فيها ما سارّك إن شاء اللّه، فكتب: يا أبا عبد اللّه إنّ لفلان عليّ خمسمائة دينار، و قد ألحّ بي فكلّمه ينظرني إلى ميسرة، فلمّا قرأ الحسين (عليه السلام) الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرّة فيها ألف دينار، و قال (عليه السلام) له: أمّا خمسمائة فاقض بها دينك، و أمّا خمسمائة فاستعن بها على دهرك، و لا ترفع حاجتك إلّا إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دين، أو مروّة، أو حسب، فأمّا ذو الدين فيصون دينه، و أمّا ذو المروّة فإنه يستحي لمروّته، و أمّا ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك، فهو يصون وجهك أن يردّك بغير قضاء حاجتك
[1]. هذا قليل من كثير يجد من أمعن النظر فيه جميع ما يضمن سعادة الإنسان في معاملته مع الخالق و الخلق، و ما يصرف الإنسان عن كلّ شرّ و سيئة، و يوصله إلى كلّ خير و إحسان.
و قد بيّن (عليه السلام) بعمله في قضاء حاجة رجل من الأنصار مبلغ كرامة الإنسان، و جمع في وصيّته لابن عبّاس جميع مدارج الكمال، و يتجلّى في كلامه و عمله (عليه السلام)
«كلامكم نور، و أمركم رشد، و وصيّتكم التقوى، و فعلكم الخير، و عادتكم الإحسان»