الإنسان يعشق العلم بفطرته، لأنّ ما به يكون الإنسان إنسانا هو العقل، و ثمرة العقل هو العلم، و لهذا إذا قلت للجاهل: يا جاهل، يحزن، مع أنه يعلم بكونه جاهلا؛ بينما إذا نسبته إلى العلم يفرح، و هو يعلم أنه ليس بعالم.
و حيث إنّ الإسلام دين الفطرة، فقد جعل نسبة العلم إلى الجهل نسبة النور إلى الظلمة، و نسبة الحياة إلى الموت
(إنّما هو نور يقع في قلب من يريد اللّه تبارك و تعالى أن يهديه)
[2]. و كلّ علم و إن كان بذاته شريفا إلّا أنّ مراتب العلوم متفاوتة بسبب عدّة أمور كموضوع العلم، و نتيجته، و نوع الاستدلال فيه، فالعلم الباحث عن الإنسان أشرف من العلم الباحث عن النبات، بنسبة فضل الإنسان على النبات، و العلم الباحث عن ضمان سلامة الإنسان أشرف من العلم الباحث عن ضمان أمواله، بنسبة شرف حياة الإنسان على ماله، و العلم الذي يقدّم نتائجه من البرهانيات أشرف من العلم الذي يستند إلى الفرضيات، بنسبة شرف اليقين على الظنّ.
و على هذا، فإنّ أشرف العلوم هو العلم الذي موضوعه (اللّه) تبارك و تعالى، مع ملاحظة أنّ نسبة شرف اللّه تعالى على غيره ليست كنسبة البحار إلى القطرة، و لا كنسبة الشمس إلى الذرّة، بل هي نسبة غير المتناهي إلى المتناهي، و بالنظرة الدقيقة فإنّ الفقير بالذات لا يمكن أن يكون طرفا في النسبة مع الغني