وَسَوابِغِ نِعَمِكَ، فابْتَدَعْتَ خلْقى مِنْ مَنِىٍّ يُمْنى، وَأَسْكنْتَنى فى ظُلُمات ثَلاث، بَيْنَ لَحْم وَدَم وَجِلْد، لَمْ تُشْهِدْنى خَلْقى ولَمْ تَجْعَلْ إِلَيَّ شَيْئاً مِنْ أَمْرى، ثُمَّ أَخْرَجْتَنى لِلَّذى سَبَقَ لى مِنَ الْهُدى إِلى الدُّنْيا تامّاً سَوِيّاً، وَحَفِظْتَنى فىرالْمَهْدِ طِفْلًا صبِيّاً، وَرَزَقْتَنى مِنَ الْغِذاءِ لَبَناً مَرِيّاً، وَعَطَفْتَ عَلىَّ قُلُوبَ الْحَواضِنِ، وَكَفَّلْتنى الأُمَّهاتِ الرَّواحِمَ، وَكَلأْتَنى مِنْ طَوارِقِ الْجانِّ، وسَلَّمْتَنى مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقْصانِ، فَتَعالَيْتَ يا رَحيمُ يا رَحْمنُ، حتّى إِذا اسْتَهْلَلْتُ ناطِقاً بالكلامِ، أَتْمَمْتَ عَليَّ سَوابغَ الأَنْعامِ، وَرَبَّيْتَنى زائداً فى كُلِّ عام، حتّى إذا أكْتَمَلَتْ فِطْرَتى، واعتدَلَتْ مِرَّتى، أَوْجَبْتَ عَلىَّ حُجَتَّكَ، بِأَنْ أَلْهَمْتَنى مَعْرِفَتَكَ، وَرَوَّعْتَنى، بِعَجائِبِ حِكْمَتِكَ وَأَيْقَظْتَنى لِمَا ذَرَأْتَ فى سَمائِكَ، وَأَرْضِكَ مِنْ بدائِعِ خَلْقِكَ، وَنَبَّهْتَنى لِشُكْرِكَ، وَذِكْرِكَ، وَأَوجَبْتَ عَليَّ طاعَتَكَ وَعِبادَتَكَ، وَفَهَّمْتَنى ماجاءَتْ بِهِ رُسُلُكَ، وَيَسَّرْتَ لى تَقَبُّلَ مَرْضاتِكَ، وَمَنَنْتَ عَلَيَّ فى جَميعِ ذلِكَ بِعَوْنِكَ وَلُطْفِكَ، ثُمَّ إِذْ خَلَقْتَنى مِنْ خَيْرِ الثَّرى، لَمْ تَرْضَ لى ياإِلهى نِعْمَةً دُونَ اخرى، وَرَزَقْتَنى مِنْ أَنْواعِ الْمَعاشِ، وَصُنُوفِ الرِّياشِ بِمَنِّكَ الْعظيمِ الأَعْظَمِ عَلَيَّ، وَإِحْسانِكَ الْقَديمِ إِلَيَّ، حَتّى إِذا أَتْمَمْتَ عَلَىَّ جَميعَ النِّعَمِ، وَصَرَفْتَ عَنّى كُلَّ النِّقَمِ، لَمْ يَمْنَعْكَ جَهْلى وَجُرْأَتى عَلَيْكَ، أَنْ دَلَلْتَنى إِلى ما يُقَرِّبُنى إِلَيْكَ، وَوفَقَّتَنى لِما يُزْلِفُنى لَدَيْكَ، فَإِنْ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنى، وَإِنْ سَأَلْتُكَ أَعْطَيْتَنى، وَإِنْ أَطَعْتُك شَكَرْتَنى، وَإِنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَنى، كُلُّ ذلِكَ إِكْمالٌ لأَنْعُمِكَ عَلَيَّ،