قال بشير بن حذلم: لمّا وصلنا قريبا من المدينة أمرني الامام زين العابدين رضى اللّه عنه أن أخبر أهل المدينة، فدخلت المدينة فقلت: «أيّها المسلمون إنّ علي بن الحسين قد قدم إليكم مع عماته و أخواته» فما بقيت مخدرة إلاّ برزن من خدورهنّ، مخمشة وجوههنّ، لاطمات خدودهنّ، يدعون بالويل و الثبور.
قال: فلم أر باكيا و باكية أكثر من ذلك اليوم، فخرج الامام من الخيمة و بيده منديل يمسح به دموعه، فجلس على كرسي، و حمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال:
أيّها الناس إنّ اللّه له الحمد و له الشكر قد ابتلانا بمصائب جليلة، و مصيبتنا ثلمة عظيمة في الاسلام، و رزية في الأنام، قتل أبي الحسين و عترته و أنصاره، و سبيت نساؤه و ذريته، و طيف برأسه في البلدان على عالي السنان، فهذه الرزية تعلو على كلّ رزية، فلقد بكت السبع الشداد لقتله، و السبع الطباق لفقده، و بكت البحار بأمواجها، و الأرضوان بأرجائها، و الأشجار بأغصانها، و الطيور بأوكارها، و الحيتان في لجج البحار، و الوحوش في البراري و القفار، و الملائكة المقربين، و السموات و الأرضين.
أيّها الناس، أي قلب لا ينصدع لقتله، و لا يحزن لأجله.
أيّها الناس، أصبحنا مشردين مطرودين مذودين شاسعين عن الأوطان، من غير جرم اجترمناه، و لا مكروه ارتكبناه، و لا ثلمة في الاسلام ثلمناها، و لا فاحشة فعلناها، فو اللّه لو أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوصى إليهم في قتالنا لما زادوا على ما فعلوا بنا، فانا للّه و إنا إليه راجعون.
ثم قام و مشى الى المدينة ليدخلها، فلمّا دخل زار جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم دخل منزله.