نام کتاب : منية المريد نویسنده : الشهيد الثاني جلد : 1 صفحه : 392
الدار على قدر كمالاتهم التي حصلوها في هذه الدار الفانية و
المدة الزائلة في موقف صف النعال[1] و أنت الآن
قادر على درك الكمال ما هذا إلا قصور في العقل أو سبات نعوذ بالله من سنة الغفلة و
سوء الزلة. هذا كله على تقدير سلامتك في تلك الدار من عظيم الأخطار و عذاب النار و
أَنَّى لك بالأمان من ذلك و قد عرفت أن أكثر هذه العلوم واجب إما على الأعيان أو
الكفاية و أن الواجب الكفائي إذا لم يقم به من فيه كفاية يأثم الجميع بتركه و يصير
حكمه في ذلك كالواجب العيني. و أين القائم في هذا الزمان بل في أكثر الأزمان
بالواجب من تحصيل هذه العلوم الشرعية و الحاصل على درجتها المرضية سيما التفقه في
الدين فإن أقل مراتبه وجوبه على الكفاية و أدنى ما يتأدى به هذا الواجب أن يكون في
كل قطر منه قائم به ممن فيه كفاية و هذا لا يحصل إلا مع وجود خلق كثير من الفقهاء
في أقطار الأرض و متى اتفق ذلك في هذه الأزمنة. هذا مع القيام بما يلزمه من العلوم
و الكتب التي يتوقف عليها من الحديث و غيره و تصحيحها و ضبطها و كل هذا أمر معدوم
في هذا الزمان فالتقاعد عنه و الاشتغال بغير العلم و مقدماته قد صار من أعظم
العصيان و إن كان بصورة العبادة من دعاء أو قراءة القرآن فأين السلامة من أهوال
القيامة للقاعد عن الاشتغال بالعلوم الشرعية على تقدير رضاه بهمته الخسيسة عن
ارتقاء مقام أهل الدرجة العلية. و اعتبر ثالثا [ثانيا] على تقدير السلامة من ذلك
كله أن امتيازك عن سائر جنسك من الحيوانات ليس إلا بهذه القوة العاقلة التي قد خصك
الله بها من بينها المميزة بين الخطأ و الصواب الموجبة لتحصيل العلوم النافعة لك
في هذه الدار و في دار المآب فقعودك عن استعمالها فيما خلقت له و انهماكك في
مهلكك