الا أن أنظار الفقهاء و العلماء تزيد و تنقص، فقد تجد أفحل الفحول يتمسك بأضعف ما يتمسك به ضعفاء العقول، ليتضح أن الجميع في مقام النقص و الحاجة، فكيف يمكن الركون الى كلام أحد لمن يزعم انه مستضيء بنور بصيرته من دون أن يعلم خلو ذلك من مرة.
على أن لنا أن نجعل لكلامه مخرجا، و هو أن الماء الذي في الإناءين المشتبه نجسهما بالطاهر هما [1] أغلظ من غيرهما في نظر الشارع، حيث أمر بإراقتهما، و بين أنهما باستحقاقهما للاراقة بمنزلة المراق، فان ذلك يشعر بسد الباب في مباشرة شيء منهما.
أو لأن الماء لرقة اجزاؤه قابلة للتفرق و الشيوع، فلو جوزنا للمكلف مباشرته لجاز دخوله في الصلاة و هو معه. و قد عرفت ثبوت المنع من ذلك. و هذا بخلاف الثوب الذي يلاقيه محل طاهر برطوبة طاهرة، فإن المشتبه بحاله ما لم تنفصل منه اجزاء أصلا و رأسا.
و لا يبعد أن يكون قوله (رحمه اللّه) آخرا في الجواب: لا فرق بين الطهارة أو شكها هنا بخلاف غيره، إشارة الى ما قلناه. و إذا أمكن حمل كلام مثله على المعنى القديم، من غير احتياج الى العدول عن الظاهر تعين المصير اليه، بل إذا احتمل كلامه أمرين سقط احتجاج من جعله حجة له، و اللّه المرشد و الهادي إلى صوب الصواب.