قَالَ: فَقَالَ لِي: احْمِلْهُ.
قَالَ: فَقُلْتُ: أُرِيدُ حُجَّةً.
قَالَ: تَعُودُ إِلَيَّ فِي غَدٍ. قَالَ: فَعُدْتُ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ، وَ عُدْتُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ.
قَالَ: فَصِرْتُ إِلَى إِسْحَاقَ الْأَحْمَرِ، فَوَجَدْتُهُ شَابّاً نَظِيفاً، مَنْزِلُهُ أَكْبَرُ مِنْ مَنْزِلِ الْبَاقِطَانِيِّ، وَ فَرَسُهُ وَ لِبَاسُهُ وَ مُرُوءَتُهُ أَسْرَى[1]، وَ غِلْمَانُهُ أَكْثَرُ مِنْ غِلْمَانِهِ، وَ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنَ النَّاسِ أَكْثَرُ مِمَّا يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ الْبَاقِطَانِيِّ. قَالَ: فَدَخَلْتُ وَ سَلَّمْتُ، فَرَحَّبَ وَ قَرَّبَ، قَالَ: فَصَبَرْتُ إِلَى أَنْ خَفَّ النَّاسُ، قَالَ: فَسَأَلَنِي عَنْ حَاجَتِي، فَقُلْتُ لَهُ كَمَا قُلْتُ لِلْبَاقِطَانِيِّ، وَ عُدْتُ إِلَيْهِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَلَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ.
قَالَ: فَصِرْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْعَمْرِيِّ، فَوَجَدْتُهُ شَيْخاً مُتَوَاضِعاً، عَلَيْهِ مَبْطَنَةٌ[2] بَيْضَاءُ، قَاعِدٌ عَلَى لِبْدٍ[3]، فِي بَيْتٍ صَغِيرٍ، لَيْسَ لَهُ غِلْمَانٌ، وَ لَا لَهُ مِنَ الْمُرُوَّةِ وَ الْفَرَسِ مَا وَجَدْتُ لِغَيْرِهِ. قَالَ: فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّ جَوَابِي، وَ أَدْنَانِي، وَ بَسَطَ مِنِّي[4]، ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ حَالِي، فَعَرَّفْتُهُ أَنِّي وَافَيْتُ مِنَ الْجَبَلِ، وَ حَمَلْتُ مَالًا. قَالَ: فَقَالَ: إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَصِلَ هَذَا الشَّيْءَ إِلَى مَنْ يَجِبُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ يَجِبُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى، وَ تَسْأَلَ دَارَ ابْنِ الرِّضَا، وَ عَنْ فُلَانِ بْنَ فُلَانٍ الْوَكِيلِ- وَ كَانَتْ دَارُ ابْنِ الرِّضَا عَامِرَةً بِأَهْلِهَا- فَإِنَّكَ تَجِدُ هُنَاكَ مَا تُرِيدُ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، وَ مَضَيْتُ نَحْوَ سُرَّ مَنْ رَأَى، وَ صِرْتُ إِلَى دَارِ ابْنِ الرِّضَا، وَ سَأَلْتُ عَنِ الْوَكِيلِ، فَذَكَرَ الْبَوَّابُ أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ فِي الدَّارِ، وَ أَنَّهُ يَخْرُجُ آنِفاً، فَقَعَدْتُ عَلَى الْبَابِ أَنْتَظِرُ خُرُوجَهُ، فَخَرَجَ بَعْدَ سَاعَةٍ، فَقُمْتُ وَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَ أَخَذَ بِيَدِي إِلَى بَيْتٍ كَانَ لَهُ، وَ سَأَلَنِي عَنْ حَالِي، وَ عَمَّا وَرَدْتُ لَهُ، فَعَرَّفْتُهُ أَنِّي حَمَلْتُ شَيْئاً مِنْ
[1] سرّا سروا: شرف، و سخا في مروءة، و أسرى: أيّ أكثر و أرفع شرفا و سخاء و مروءة.
[2] المبطنة: ما ينتطق به، و هي إزار له حجزة.
[3] اللّبد: ضرب من البسط.
[4] بسط فلان بن فلان: أزال منه الاحتشام و عوامل الخجل.