بَعْدِهِ لِأَبِي بَكْرٍ، عَلَّمَ أَنَّهَا مِنْ بَعْدِ أَبِي بَكْرٍ لِعُمَرَ، وَ مِنْ بَعْدِهِ لِعُثْمَانَ، وَ مِنْ بَعْدِ عُثْمَانَ لِعَلِيٍّ، فَكَانَ أَيْضاً لَا يَجِدُ بُدّاً مِنْ قَوْلِهِ: نَعَمْ. ثُمَّ كُنْتَ تَقُولُ لَهُ: فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) أَنْ يُخْرِجَهُمْ جَمِيعاً عَلَى التَّرْتِيبِ إِلَى الْغَارِ، وَ يُشْفِقَ عَلَيْهِمْ كَمَا أَشْفَقَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَ لَا يَسْتَخِفَّ بِقَدْرِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ بِتَرْكِهِ إِيَّاهُمْ، وَ تَخْصِيصِهِ أَبَا بَكْرٍ بِإِخْرَاجِهِ مَعَ نَفْسِهِ دُونَهُمْ.
فَلَمَّا قَالَ: «أَخْبِرْنِي عَنِ الصِّدِّيقِ وَ الْفَارُوقِ أَسْلَمَا طَوْعاً، أَوْ كَرْهاً؟» لِمَ لَمْ تَقُلْ:
بَلْ أَسْلَمَا طَمَعاً؟ وَ ذَلِكَ أَنَّهُمَا كَانَا يُجَالِسَانِ الْيَهُودَ، وَ يَسْتَخْبِرَانِهِمْ عَمَّا كَانُوا يَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ، وَ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، النَّاطِقَةِ بِالْمَلَاحِمِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، مِنْ قِصَّةِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وَ مِنْ عَوَاقِبِ أَمْرِهِ، وَ كَانَتِ الْيَهُودُ تَذْكُرُ أَنَّ لِمُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) تَسَلّطاً عَلَى الْعَرَبِ، كَمَا كَانَ لِبُخْتَنَصَّرَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، غَيْرَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ نَبِيٍّ.
فَأَتَيَا مُحَمَّداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) فَسَاعَدَاهُ عَلَى قَوْلِ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَ تَابَعَاهُ طَمَعاً فِي أَنْ يَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ جِهَتِهِ وَلَايَةَ بَلَدٍ، إِذَا اسْتَقَامَتْ أُمُورُهُ، وَ اسْتَتَبَّتْ أَحْوَالُهُ. فَلَمَّا أَيِسَا مِنْ ذَلِكَ تَلَثَّمَا وَ صَعَداً الْعَقَبَةَ مَعَ عِدَّةٍ مِنْ أَمْثَالِهَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ، عَلَى أَنْ يَقْتُلُوهُ، فَدَفَعَ اللَّهُ كَيْدَهُمْ، وَ رَدَّهُمْ بِغَيْظِهِمْ، لَمْ يَنَالُوا خَيْراً.
كَمَا أَتَى طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ عَلِيّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَبَايَعَاهُ، وَ طَمِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنَالَ مِنْ جِهَتِهِ وَلَايَةَ بَلَدٍ، فَلَمَّا أَيِسَا نَكَثَا بَيْعَتَهُ وَ خَرَجَا عَلَيْهِ، فَصَرَعَ اللَّهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَصْرَعَ أَشْبَاهِهِمَا مِنَ النَّاكِثِينَ.
قَالَ سَعْدٌ: ثُمَّ قَامَ مَوْلَانَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَادِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِلصَّلَاةِ مَعَ الْغُلَامِ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهُمَا، وَ طَلَبْتُ أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ، فَاسْتَقْبَلَنِي بَاكِياً، فَقُلْتُ: مَا أَبْطَأَكَ وَ أَبْكَاكَ؟
فَقَالَ: قَدْ فَقَدْتُ الثَّوْبَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَوْلَايَ لِإِحْضَارِهِ.
قُلْتُ: لَا عَلَيْكَ، فَأَخْبِرْهُ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَ انْصَرَفَ مِنْ عِنْدِهِ مُتَبَسِّماً، وَ هُوَ يُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: مَا الْخَبَرُ؟
قَالَ: وَجَدْتُ الثَّوْبَ مَبْسُوطاً تَحْتَ قَدَمَيْ مَوْلَانَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، يُصَلِّي عَلَيْهِ.