فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): مَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدِ افَتَرَى عَلَى مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَ اسْتَجْهَلَهُ فِي نُبُوَّتِهِ، لِأَنَّهُ مَا خَلَا الْأَمْرُ فِيهَا مِنْ خَصْلَتَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِيهَا جَائِزَةً أَوْ غَيْرَ جَائِزَةٍ؛ فَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) جَائِزَةً جَازَ لِمُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنْ يَكُونَ لَابِسَهُمَا فِي الْبُقْعَةِ، إِذْ لَمْ تَكُنْ مُقَدَّسَةً، وَ إِنْ كَانَتْ مُقَدَّسَةً مُطَهَّرَةً فَلَيْسَتْ بِأَطْهَرَ وَ أَقْدَسَ مِنَ الصَّلَاةِ.
وَ إِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ غَيْرَ جَائِزَةٍ فِيهِمَا فَقَدْ أَوْجَبَ أَنْ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لَمْ يَعْرِفِ الْحَلَالَ مِنَ[1] الْحَرَامِ، وَ عَلِمَ مَا جَازَ فِيهِ الصَّلَاةُ وَ مَا لَا يَجُوزُ، وَ هَذَا كُفْرٌ.
قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي يَا ابْنَ مَوْلَايَ، عَنِ التَّأْوِيلِ فِيهَا.
قَالَ: إِنَّ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) نَاجَى رَبَّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ، فَقَالَ: «يَا رَبِّ، إِنِّي قَدْ أَخْلَصْتُ لَكَ الْمَحَبَّةَ مِنِّي، وَ غَسَلْتُ قَلْبِي عَمَّنْ سِوَاكَ» وَ كَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لِأَهْلِهِ، فَقَالَ اللَّهُ (تَعَالَى): فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أَيْ[2] انْزِعْ حُبَّ أَهْلِكَ مِنْ قَلْبِكَ إِنْ كَانَتْ مَحَبَّتُكَ لِي خَالِصَةً، وَ قَلْبُكَ مِنَ الْمِيلِ إِلَى سِوَايَ مَغْسُولًا.
قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي- يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ- عَنْ تَأْوِيلِ كهيعص[3].
قَالَ: هَذِهِ الْحُرُوفُ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ، أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، ثُمَّ قَصَّهَا عَلَى مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وَ ذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَسْمَاءَ الْخَمْسَةِ، فَأَهْبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا، فَكَانَ زَكَرِيَّا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) إِذَا ذَكَرَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ سُرِّيَ عَنْهُ هَمُّهُ، وَ انْجَلَى كَرْبُهُ، فَإِذَا ذَكَرَ اسْمَ الْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ، وَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْهُمُومُ، فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: «إِلَهِي، مَا بَالِي إِذَا ذَكَرْتُ أَرْبَعاً مِنْهُمْ تَسَلَّيْتُ بِأَسْمَائِهِمْ مِنْ هُمُومِي، وَ إِذَا ذَكَرْتُ الْحُسَيْنَ تَدْمَعُ عَيْنِي، وَ تَثُورُ زَفْرَتِي؟»
فَأَنْبَأَهُ اللَّهُ عَنْ قِصَّتِهِ، فَقَالَ: كهيعص فَالْكَافُ: اسْمُ كَرْبَلَاءَ، وَ الْهَاءُ: هَلَاكُ
[1] في« ط»: و.
[2] في« ع، م»: و.
[3] مريم 19: 1.