فَرَكِبْنَا دَوَابَّنَا مُنْصَرِفِينَ، وَ قَدْ سَبَقَنَا بَرِيدٌ مِنْ عِنْدِ هِشَامٍ إِلَى عَامِلِ مَدْيَنٍ[1] عَلَى طَرِيقِنَا إِلَى الْمَدِينَةِ[2]: «إِنَّ ابْنَيْ أَبِي تُرَابٍ السَّاحِرَيْنِ[3] مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْكَذَّابَيْنِ- بَلْ هُوَ الْكَذَّابُ (لَعَنَهُ اللَّهُ)- فِيمَا يُظْهِرَانِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَرَدَا عَلَيَّ، فَلَمَّا صَرَفْتُهُمَا إِلَى الْمَدِينَةِ مَالا إِلَى الْقِسِّيسِينَ وَ الرُّهْبَانِ مِنْ كُفَّارِ النَّصَارَى[4]، وَ تَقَرَّبَا إِلَيْهِمْ بِالنَّصْرَانِيَّةِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُنَكِّلَ بِهِمَا لِقَرَابَتِهِمَا، فَإِذَا قَرَأْتَ كِتَابِي هَذَا فَنَادِ[5] فِي النَّاسِ: بَرِئَتِ الذِّمَّةُ مِمَّنْ يُشَارِيهِمَا، أَوْ يُبَايِعُهُمَا، أَوْ يُصَافِحُهُمَا، أَوْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمَا، فَإِنَّهُمَا قَدْ ارْتَدَّا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَقْتُلَهُمَا وَ دَوَابَّهُمَا وَ غِلْمَانَهُمَا وَ مَنْ مَعَهُمَا شَرِّ قَتْلَةٍ».
قَالَ: فَوَرَدَ الْبَرِيدُ إِلَى مَدْيَنَ، فَلَمَّا شَارَفْنَا مَدِينَةَ مَدْيَنَ قَدَّمَ أَبِي غِلْمَانَهُ لِيَرْتَادُوا لَهُ مَنْزِلًا وَ يَشْتَرُوا لِدَوَابِّنَا عَلَفاً، وَ لَنَا طَعَاماً.
فَلَمَّا قَرُبَ غِلْمَانُنَا مِنْ بَابِ الْمَدِينَةِ أَغْلَقُوا الْبَابَ فِي وُجُوهِنَا وَ شَتَمُونَا، وَ ذَكَرُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ)، وَ قَالُوا: لَا نُزُولَ لَكُمْ عِنْدَنَا، وَ لَا شِرَاءَ وَ لَا بَيْعَ، يَا كُفَّارُ، يَا مُشْرِكِينَ، يَا مُرْتَدِّينَ، يَا كَذَّابِينَ، يَا شَرَّ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ.
فَوَقَفَ غِلْمَانُنَا عَلَى الْبَابِ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ، فَكَلَّمَهُمْ أَبِي وَ لَيَّنَ لَهُمُ الْقَوْلَ، وَ قَالَ لَهُمْ: اتَّقُوا اللَّهَ وَ لَا تَغْلُطُوا، فَلَسْنَا كَمَا بَلَغَكُمْ وَ لَا نَحْنُ كَمَا تَقُولُونَ، فَاسْمَعُونَا، فَأَجَابُوهُ بِمِثْلِ مَا أَجَابُوا الْغِلْمَانَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبِي: فَهَبْنَا كَمَا تَقُولُونَ، افْتَحُوا لَنَا الْبَابَ، وَ شَارُونَا وَ بَايِعُونَا كَمَا تُشَارُونَ وَ تُبَايِعُونَ الْيَهُودَ وَ النَّصَارَى وَ الْمَجُوسَ.
فَقَالُوا: أَنْتُمْ أَشَرُّ مِنَ الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى وَ الْمَجُوسِ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ وَ أَنْتُمْ مَا تُؤَدُّونَ.
[1] مدينة تجاه تبوك بين المدينة و الشّام« اثار البلاد: 261».
[2] في« ط» زيادة: يذكر له.
[3] في« ط»: السّاحر.
[4] في الأمان زيادة: و أظهروا لهما دينهما و مرقا من الاسلام إلى الكفر- دين النّصارى-.
[5] في« ط»: فإذا مرّا بانصرافهما عليكم فليناد.