فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا قَالَ: يَا غُلَامُ، ادْخُلْ ذَلِكَ الْبَيْتَ وَ أَخْرِجْ إِلَى الْكُمَيْتِ بَدْرَةً[1]، وَ ادْفَعْهَا إِلَيْهِ. فَأَخْرَجَهَا وَ وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ[2].
فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَأْذَنَ لِي فِي أُخْرَى. فَقَالَ لَهُ: هَاتِهَا. فَأَنْشَدَهُ أُخْرَى، فَأَمَرَ لَهُ بِبَدْرَةٍ أُخْرَى فَأَخْرَجْتُ لَهُ مِنَ الْبَيْتِ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: الثَّالِثَةَ. فَأَذِنَ لَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِبَدْرَةٍ ثَالِثَةٍ، فَأَخْرَجْتُ لَهُ.
فَقَالَ لَهُ الْكُمَيْتُ: يَا سَيِّدِي، وَ اللَّهِ مَا أُنْشِدُكَ طَلَباً لِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا صِلَةً لِرَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ حَقِّكُمْ.
فَدَعَا لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا غُلَامُ، رُدَّ هَذِهِ الْبِدَرَ فِي مَكَانِهَا. فَأَخَذَهَا الْغُلَامُ فَرَدَّهَا.
قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: شَكَوْتُ إِلَيْهِ الْحَاجَةَ فَقَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، وَ أَمَرَ لِلْكُمَيْتِ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ!
وَ خَرَجَ الْكُمَيْتُ فَقَالَ: يَا جَابِرُ، قُمْ فَادْخُلْ ذَلِكَ الْبَيْتَ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ شَيْئاً، فَخَرَجْتُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: يَا جَابِرُ، مَا سَتَرْنَا عَنْكَ أَكْثَرُ مِمَّا أَظْهَرْنَاهُ لَكَ.
ثُمَّ قَامَ وَ أَخَذَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي ذَلِكَ الْبَيْتَ وَ ضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ فَإِذَا شِبْهُ عُنُقِ الْبَعِيرِ قَدْ خَرَجَ مِنْ ذَهَبٍ[3]، فَقَالَ: يَا جَابِرُ، انْظُرْ إِلَى هَذَا وَ لَا تُخْبِرْ بِهِ إِلَّا مَنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ إِخْوَانِكَ.
يَا جَابِرُ، إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) غَيْرَ مَرَّةٍ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ وَ كُنُوزِهَا، وَ خَيَّرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَهُ اللَّهُ مِمَّا أَعَدَّ لَهُ شَيْئاً، فَاخْتَارَ التَّوَاضُعَ لِرَبِّهِ (عَزَّ وَ جَلَّ)، وَ نَحْنُ نَخْتَارُهُ[4].
[1] البدرة: كيس فيه مقدار من المال يتعامل به و يقدم في العطايا، و يختلف باختلاف العهود، و الغالب أنّه عشرة آلاف درهم.
[2] في« ع، م»: و وضعها عنده.
[3] في« ط»: منها ذهبا.
[4] في« ط»: ينقصه اللّه شيئا ممّا أعد له فاختار تركها و نحن نختار ذلك.