نَزَلَ أَبُو جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِوَادٍ، فَضَرَبَ خِبَاءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى نَخْلَةٍ يَابِسَةٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ (عَزَّ وَ جَلَّ) عِنْدَهَا، ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَمْ أَسْمَعْ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيَّتُهَا النَّخْلَةُ، أَطْعِمِينَا مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ (جَلَّ ذِكْرُهُ) فِيكَ. فَتَسَاقَطَ مِنْهَا رُطَبٌ أَحْمَرُ وَ أَصْفَرُ، فَأَكَلَ، وَ أَكَلَ مَعَهُ أَبُو أُمَيَّةَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَيَّةَ، هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا[1] كَالْآيَةِ فِي مَرْيَمَ: إِذْ هَزَّتْ إِلَيْهَا بِالنَّخْلَةِ فَتَسَاقَطَ عَلَيْهَا رُطَباً جَنِيّاً[2].
147/ 11- وَ رَوَى الْحَسَنُ، عَنِ الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي مَجْلِسٍ لَهُ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ أَطْرَقَ إِلَى الْأَرْضِ يَنْكُتُ فِيهَا مَلِيّاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا جَاءَكُمْ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ فِي مَدِينَتِكُمْ هَذِهِ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ حَتَّى يَسْتَقْرِيَكُمْ[3] بِسَيْفِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَيَقْتُلُ مُقَاتِلِيكُمْ[4] وَ تَلْقَوْنَ مِنْهُ ذُلًّا[5]، لَا تَقْدِرُونَ أَنْ تَدْفَعُوا ذَلِكَ، فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، وَ اعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي قُلْتُ لَكُمْ كَائِنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ.
فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَى هَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالُوا: لَا يَكُونُ هَذَا أَبَداً وَ لَمْ يَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ، إِلَّا بَنُو هَاشِمٍ خَاصَّةً لِعِلْمِهِمْ أَنَّ كَلَامَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) حَقٌّ مِنَ اللَّهِ (عَزَّ وَ جَلَّ).
فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ حَمَلَ أَبُو جَعْفَرٍ عِيَالَهُ وَ بَنُو هَاشِمٍ، فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَ وَقَعَ مَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي الْمَدِينَةِ، فَأُصِيبَ أَهْلُهَا[6] وَ قَالُوا: وَ اللَّهِ، لَا نَرُدُّ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ شَيْئاً نَسْمَعُهُ أَبَداً، مِنْهُ سَمِعْنَا مَا رَأَيْنَا.
وَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا الْقَوْمُ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ يَنْطِقُونَ بِالْحَقِّ، مَا يَتَعَلَّقُ أَحَدُكُمْ عَلَى
[1] في« ع، م»: منّا.
[2] بصائر الدّرجات: 273/ 2، الخرائج و الجرائح 2: 593/ 2، مناقب ابن شهرآشوب 4: 188، الثّاقب في المناقب: 374/ 308، الصّراط المستقيم 2: 183/ 13، مدينة المعاجز: 323/ 11.
[3] يستقريكم: أيّ يتتبعكم« لسان العرب- قرا- 15: 175». و في« ع، م»: يسبقونكم.
[4] في« ط»: مقاتلتكم.
[5] في« ع، م»: ملا، و كأنّها تصحيف: بلاء.
[6] في« ع، م»: و أصابوا ما قال أبو جعفر( عليه السّلام).