إنّ الإمامة منصب إلهي
مقدّس لا يتحقّق لأحد إلّا بنصّ من اللّه (تعالى)، أو من نبيّه المصطفى الذي لا
ينطق عن الهوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى.
و ما كان النبيّ (صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم) الذي بعث رحمة للعالمين، و ليرفع من بين الناس أسباب
الخلاف و الفرقة، و يزرع بينهم كلّ ما من شأنه أن يؤلّف بينهم، و ينظم أمرهم، و
يحفظ فيهم العدل و الإنصاف، فلا يمكن أن يفارق أمّته و يتركها هملا، تتحكّم فيها
الآراء و الاجتهادات المتباينة، فيعود أمرها فوضى، و كأنّ نبيّا لم يبعث فيها أو
كأنّ اللّه (تعالى) لم يرسل إليهم شريعة واحدة تجمعهم و تنظم أمرهم.
بل إنّ النبيّ، الرحمة
المهداة، هو أرحم بأمّته من أن يتركها هكذا، و هو أحرص على رسالته من أن يدعها تحت
رحمة آراء شتّى و اجتهادات متضاربة، بل قد يعدّ أمر كهذا إخلال بالأمانة التي كلّف
النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بأدائها، و تقصير بحقّ الرسالة التي بعث
لتبليغها، و كلّ هذا بعيد عن ساحة النبوّة كلّ بعد، فأيّ مسلم لا يؤمن بأنّ نبينا
الأكرم (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قد أدّى أمانة ربّه أحسن الأداء، و بلّغ
رسالته أتمّ تبليغ؟
و أيّ معنى سيبقى لأداء
الأمانة ما لم يستأمن عليها رجلا كفؤا يتولّى حمايتها و إقامة حدودها و تنفيذ
أحكامها؟!
و لقد أتمّ ذلك رسول
اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أداء لأمانته، فنصّ على وصيّه و خليفته من
بعده، و سمّاه باسمه في غير موضع و مناسبة، و من ذلك:
أ- الحديث المتواتر في
خطبة الغدير الشهيرة، حيث أوقف النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) مائة ألف من
المسلمين حجّوا معه حجّة الوداع و عادوا معه، فلمّا بلغوا غدير خمّ حيث مفترق
طرقهم إلى مواطنهم، نادى مناديه أن يردّ المتقدّم، و ينتظر المتأخّر حتى يلحق، ثمّ
قام فيهم خطيبا و هو آخذ بيد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
فقال: «أ لست أولى
بالمؤمنين من أنفسهم» قالوا: بلى. قال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ وال من
والاه و عاد من عاداه»[1].
[1] سنن الترمذي 5: 633/ 3713، سنن ابن ماجة 1:
43/ 116 و 45/ 121، مسند أحمد 1: 84، 119، 152،-- 331 و 4: 281، 368، 370، 372 و
5: 347، 366، الخصائص للنسائي: ح 78- 83، المستدرك على الصحيحين 3: 110، 134، 371،
مصابيح السنّة 4: 172/ 4767، السيرة الحلبيّة 3: 274، تاريخ اليعقوبي 2: 112،
تذكرة الحفاظ 1: 10، البداية و النهاية 5: 183- 188 و 7: 359، اسد الغابة 4: 28،
الاستيعاب- بهامش الإصابة- 3: 36.