قَدْ دَبِرَتْ كَفَّاكِ مِنْ طَحْنِ الشَّعِيرِ وَ فِضَّةُ قَائِمَةٌ!
فَقَالَتْ: نَعَمْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَوْصَانِي حَبِيبِي رَسُولُ اللَّهِ[1] أَنْ تَكُونَ الْخِدْمَةُ لَهَا يَوْمٌ وَ لِيَ يَوْمٌ، فَكَانَ أَمْسِ يَوْمَ خِدْمَتِهَا، وَ الْيَوْمُ يَوْمُ خِدْمَتِي.
قَالَ سَلْمَانُ: فَقُلْتُ: جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكِ، إِنِّي مَوْلَى عَتَاقَةٍ.
فَقَالَتْ: أَنْتَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ.
قُلْتُ: فَاخْتَارِي إِحْدَى الْخَصْلَتَيْنِ: إِمَّا أَنْ أَطْحَنَ لَكِ الشَّعِيرَ، أَوْ أُسْكِتَ لَكِ الْحَسَنَ.
قَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَنَا أُسْكِتُهُ فَإِنِّي أَرْفَقُ، وَ أَنْتَ تَطْحَنُ الشَّعِيرَ.
قَالَ: فَجَلَسَتْ حَتَّى طَحَنْتُ جُزْءً مِنَ الشَّعِيرِ، فَإِذَا أَنَا بِالْإِقَامَةِ، فَمَضَيْتُ حَتَّى صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ).
فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ أَتَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَ هُوَ بِيَمْنَةٍ مِنْ[2] رَسُولِ اللَّهِ فَجَذَبْتُ رِدَاءَهُ وَ قُلْتُ: أَنْتَ هَاهُنَا وَ فَاطِمَةُ قَدْ دَبِرَتْ كَفَّاهَا مِنْ طَحْنِ الشَّعِيرِ؟!
فَقَامَ وَ إِنَّ دُمُوعَهُ لَتَحْدِرُ عَلَى لِحْيَتِهِ، وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) لَيَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَمْكُثْ إِلَّا قَلِيلًا. فَإِذَا هُوَ قَدْ رَجَعَ يَتَبَسَّمُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْتَبِينَ أَسْنَانَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): يَا حَبِيبِي[3] خَرَجْتَ وَ أَنْتَ بَاكٍ وَ رَجَعْتَ وَ أَنْتَ ضَاحِكٌ؟
قَالَ: نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي، دَخَلْتُ الدَّارَ وَ إِذَا فَاطِمَةُ نَائِمَةٌ مُسْتَلْقِيَةٌ لِقَفَاهَا، وَ الْحَسَنُ نَائِمٌ عَلَى صَدْرِهَا، وَ قُدَّامَهَا الرَّحَى تَدُورُ مِنْ غَيْرِ يَدٍ.
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَائِرَةً فِي الْأَرْضِ يَخْدِمُون مُحَمَّداً وَ آلَ مُحَمَّدٍ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ؟![4]
[1] في« ط»: أوصاني أبي.
[2] في« ط»: الصّلاة رأيت عليّا و هو على ميمنة.
[3] في« ط»: يا عليّ، و في« م»: يا عليّ يا حبيبي.
[4] الخرائج و الجرائح 2: 530/ 6.