روي عن نبيّنا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) في سفره
مع عمّه أبي طالب إلى الشام و كان يومها صبيّا، أنّه لقيه بحيرا الراهب و قد تفرّس
فيه علامات النبوّة، فأراد أن يسأله عن أشياء، فقال له: أسألك باللّات و العزّى
إلّا ما أخبرتني عمّا أسألك، قال بحيرا هذا مجاراة لقريش في أيمانهم.
فقال له النبيّ (صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم): لا تسألني باللّات و العزّى، فو اللّه ما أبغضت كبغضهما
شيئا قطّ[1].
و هكذا نشأ النبي
المصطفى (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) نشأة لا تعرف إلّا الكمال، متنزّها عن كلّ
ما كان يخوض فيه ذلك المجتمع من عادات و ممارسات و اعتقادات تافهة، بل إنّه (صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم) قد تنزّه حتّى عن مباحات الأطعمة التي لا تلائم عظيم
منزلته، فقد كان لا يأكل الثوم و البصل كراهة أن توجد رائحتهما في فيه الشريف. فهو
إذن (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) عمّا هو أشدّ كراهة منها أشدّ بعدا، حتّى عرف
في مجتمع قريش، و في عنفوان شبابه، بالصادق الأمين، و هذه درجة لا تنال بالتكلّف و
التمنّي، و لا تنال إلّا بسمو لا يضاهى، يشهد له الكبير و الصغير كما يشهدون للشمس
ارتفاعها في رائعة النهار. و قد كان لهذه النشأة بعدان:
الأوّل: أنّها الداعي
لميل الناس إليه، و توجّههم نحوه هاديا و أسوة و مثلا أعلى.
و الثاني: أنّها كانت شاهدا
لا غنى عنه على صدقه و أمانته، فكانت دليلا ساطعا على نبوّته.
4- السبق في العلم و
الحكمة:
إذ لا يصحّ أن يلتفّ
الناس حول رجل، و يسلمون إليه قيادهم و هم يجدون من هو أعلم منه، أو أرجح فهما و
حكمة و معرفة في شئون الدين و الدنيا، و هذه الناحية تكاد تكون بديهيّة لازمت جميع
الأنبياء بين أقوامهم، و هي أشدّ ما تكون بروزا و ظهورا في حياة خاتم الأنبياء
(صلّى اللّه عليه و آله و سلّم).
5- رسالاتهم و آثارهم:
أي مضمون و فحوى الرسالة
التي يأتي بها النبيّ و يدعو إليها، ثمّ ما يؤثر عنه من قول و فعل. و هذه قضية لا
بدّ من إعمال الفكر فيها،