responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الصراط المستقيم نویسنده : العاملي، علي بن يونس    جلد : 2  صفحه : 34
والحمد لله على أفضاله وأنعامه ونسأله العفو والصفح عن زلاتنا فهو العفو الغفور (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) [2]. كتبه بأنامله المرتعشة في مكتبته العامة في النجف الأشرف في أولى ليالي البيض من شهر رمضان المبارك سنة أربع وثمانين وثلثمائة وألف. الفاني آقا بزرك الطهراني عفى عنه [2] سورة يونس: 10. (*)
[ 1 ]
تتمة الباب التاسع * (فيما جاء في النص عليه من رسول الله صلى الله عليه وآله) * بسم الله الرحمن الرحيم ومنها: ما ذكره مسلم والبخاري وغيرهما من قول النبي صلى الله عليه وآله في خيبر لما فر الشيخان برايته: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه، فدعا بعلي فجيئ به أرمد، فبصق في عينيه، فبرأتا وأعطاه الراية فمضى، وكان الفتح. وقد عرض النبي صلى الله عليه وآله بالهاربين بقوله (غير فرار) وصرح بمدحه في قوله (كرار) وفي محبة الله ورسوله التي هي عبارة عن كثرة الثواب، المستلزمة للأفضلية، المقتضية للإمامة، وثبوت الإمامة ومحبة الله وإن كانت لكل طائع إلا أنها تتفاوت فزاد الله عليا من فواضله بقطع شواغله، وتطهير باطنه، عن تعلقه بكدورات الدنيا ورفع الحجاب عن أحوال الأخرى. قالوا: محبة الله دليل فيها على نفي غيره من محبته، لأنه دليل خطاب، قلنا: لم يثبت تخصيصه بمجرد القول، بل بحال غضبه عليه السلام عليهما. وقد روى فرهما وثباته الحافظ في حلية الأولياء عن سلمة بن الاكوع و ابن حنبل في مسنده عن عبد الله بن الزبير وفي موضع آخر عن بريدة وفي موضع ثالث عن رجال شتى والبخاري في الجزء الثالث من صحيحه، وفي الكراس الرا ؟ من الجزء الخامس ورواه مسلم في الكراس الأخير من الجزء الرابع والترمذي في الجزء الثالث وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي والثعلبي في تفسيره وابن
[ 2 ]
المغازلي عن أبي هريره تارة وعن الخدري تارة. فعلي الإمام الكرار، حصل به الغنيمة وسرور النبي صلى الله عليه وآله والأنصار والهارب الفرار حصل منه الهزيمة وغم النبي المختار، بظهور الكفار، وهذه صحاحهم تخبر أنما أحبه الله لجده في الإقدام، وإخلاصه في جهاد الطغام، يدل على ذلك قول الله سبحانه (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون [1]) الآية ثم أكد ذلك بقوله (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا [2]) فأبان بما تحصل به محبته، ثم أوضحها بقوله (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين [3]) ثم كشف في تمام الآية عن حال من يحب الله ويحبه بقوله (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء [4]) وهذه نزلت في علي خاصة كما ذكر في تفسيره. كل ذلك جاء في فرهما وثباته، ولو دانى عليا في الشجاعة بطل، لما اختص بضرب المثل، كسخاء حاتم، وقد تبين من رب العباد أن محبته في مقابلة الجهاد، ولذلك مدح النبي صلى الله عليه وآله عليا على الكر والإقدام، وذم غيره على الفرار والإحجام، واستأذنه حسان أن يقول في وصف الحال، فأذن له فقال: وكان علي أرمد العين يبتغي * دواء فلما لم يحس مداويا شفاه رسول الله منه بتفلة * فبورك مرقيا وبورك راقيا وقال سأعطي الراية اليوم صارما * حميا مجيبا للرسول مواليا يحب إلهي والإله يحبه * به يفتح الله الحصون الأوابيا فأصفا بها دون البرية كلها * عليا وسماه الوزير المواخيا قالوا: ذلك لا يقتضي تخصيص علي بمحبة الله، بل هذه صفة لجميع المؤمنين

[1] براءة: 111.
[2] الصف: 4. (3 و 4) المائدة: 54.
[ 3 ]
كما قال في عسكر عمر بالقادسية [ وكانوا كفارا ]: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه، قلنا: ذكرتم أن أهل القادسية كانوا كفارا، والآية فيها خطاب للمؤمنين بقوله (من يرتد منكم عن دينه) وقد روى كثير من الناس أنها نزلت في المرتدين يوم الجمل بحربهم لعلي عليه السلام. إن قيل: انقطع الوحي قبل الجمل، قلنا قد ذكر العلماء أن كل من انطبق عليه آية جاز أن يقال إنها نزلت فيه، على أن وصف النبي له بالكرار، ونفي الفرار، يخرج عن هذه المحبة الموصوف بالفرار. قالوا: لفظة (قوم) في الآية لا تصلح لواحد، قلنا: قد سلف جواز إطلاق الجمع على الواحد للتعظيم، ولغيره كما قال تعالى (لا يسخر قوم من قوم [1] نزلت في ثابت ابن قيس، سخر به رجل (ولا نساء من نساء) نزلت في عائشة سخرت بأم سلمة. قالوا: تفتخرون لعلي بفتح قرية فيها يهود طغام، ونحن لا نفتخر للمشايخ الثلاثة بإزاحة الملوك العظام، مثل قيصر وهرقل والشام، وكسرى والروم وغيرهم من الأنام، وأين خيبر من القادسية التي قتل فيها الأبرار، مائة ألف من الكفار واليرموك الذي كان فيه من الروم أربعمائة ألف مقاتل، وكان في الصحابة ثلاثون ألف مقاتل. قلنا: ليس في جر العساكر مثل شجاعة المباشر، ولم يكن لهم في الاسلام قتيل يذكر، ولا جريج يشهر، وناهيك ما جرى في بدر واحد وخيبر، وقد نفى جبرائيل عن الرب العلي، من يقارب عليا الولي، في قوله: لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي وأما تصغيرهم خيبر فكلمة لا يخفى قبحها وقد فرح النبي بعد الغم الشديد بفتحها، وقد عجز الشجعان
[2] عنها قال ابن حمدون في التذكرة: شجاعة علي معجزة [1] الحجرات: 11.
[2] الشيخان، خ.
[ 4 ]
للنبي إذ لو قيل له ما دليل صدقك ؟ فقال شجاعة علي لم يمكن أحدا إنكاره، وقد ذكر قتله لمرحب مسلم، والبخاري، والعاقولي وخطيب دمشق، وابن قتيبة. وكان الواجب أن يقاس أصحاب مشايخهم بالقادسية بأصحاب علي إذ لا قياس بين الثلاثة وبين علي، إذ الثلاثة كانوا من القاعدين، وعلي من المجاهدين، ولا يخفى ما في الكتاب المبين، من تفضيل المجاهدين على القاعدين، وقتل علي ببدر شجعان المشركين، وفيهم نوفل وكان من شياطين قريش، وقتل بالخندق عمرا بعد إحجام المسلمين عنه، وقد قال عدوه معاوية لابن الزبير [1]: لا جرم إن عليا قتلك وقتل أباك بيسرى يديه، وبقيت يمناه فارغة يطلب بها من يقتله غيركما. وفي كتاب ابن مسكويه قال ابن العاص يوم الهرير: لله در ابن أبي طالب ما كان أكثره عند الحروب ما آنست أن أسمع صوته في أول الناس إلا وسمعته في آخرهم ولا في الميمنة إلا وسمعته في الميسرة، فهذا اعتراف أعدائه بشجاعته لما لم يتمكنوا من استتارها لاشتهارها. قال سعد لمعاوية: لقد رأيته يوم بدر يحمحم ويقول: بازل عامين حديث سني * سجسجة الليل كأني جني لمثل هذا ولدتني أمي فما رجع إلا وقد خضب من دماء القوم. وادعوا لأبي بكر الشجاعة
[2] بقتال أهل الردة، وأشار علي بالكف عنهم قلنا: ذلك لعلمه بعدم استحقاقهم القتال، ولم يشتهر لأبي بكر قتيل من الأرذال فضلا عن أحد من الأبطال، وقد قدمنا أن الشجاعة إنما تكون بمصادمة الرماح، و مصافحة الصفاح، ولهذا لما ذكرنا فرارهم عن النبي صلى الله عليه وآله اعتذروا بأن الله عفا عنهم. قلنا: كان العفو عن العاجل خاصة لقوله تعالى (وكان عهد الله مسؤولا)
[3] [1] قاله حين افتخر ابن الزبير بخروجه مع أبيه يوم الجمل على علي عليه السلام.
[2] الاشجعبة: خ.
[3] الأحزاب: 15.
[ 5 ]
والآية محكمة بالاجماع. قالوا: وصف الله كل الصحابة بالشجاعة في قوله (والذين آمنوا معه أشداء على الكفار [1] قلنا صحيح لكنها متفاوتة فيهم باعترافكم، فلبس في ذلك حجة لكم، وقد روى أبو نعيم في قوله تعالى (فاستغلظ فاستوى على سوقه)
[2] قال اشتهر الاسلام بسيف علي ابن أبي طالب، وهم يدعون الشجاعة للهارب الجالب للمثالب قال بعض الفضلاء: وما بلغت كف امرء متناول * بها المجد إلا حيثما نلت أطول ولا بلغ المهدون في القول مدحة * وإن صدقوا إلا الذي قيل أفضل وقد ظهر مما أسلفناه اختصاصه بمزيد محبة الله دون من سواه. تذنيب: روى ابن حنبل عن مشيخته أنه اقتلع باب خيبر فحمله سبعون رجلا فكان جهدهم أن أعادوه. وأسند الحافظ أنه لما اقتلعه دحى به خلف ظهره، ولم يطق حمله أربعون رجلا وقال البستي في كتاب الدرجات: كان وزن حلقة الباب أربعين منا فهزه حتى ظنوا أنها زلزلة، ثم هزه أخرى فاقتلعه ودحى به أربعين ذراعا، وقال الطبري صاحب المسترشد: حمله بشماله وهو أربعة أذرع في خمسة أشبار في أربعة أصابع، و كان صخرا صلدا، فأثرت إبهامه فيه، وحمله بغير مقبض. وقال ميثم: كان من صخرة واحدة. قال ديك الجن: سطا يوم بدر بأبطاله * وفي أحد لم يزل يحمل ومن بأسه فتحت خيبر * ولم ينجها بابها المقفل دحى أربعين ذراعا به * هزبر له دانت الأشبل وقيل: كان طول الباب ثمانية عشر ذراعا، وعرض الخندق عشرون، فوضع (1 و 2) الفتح: 29.
[ 6 ]
على طرف الخندق جانبها وضبط الآخر بيده حتى عبر الجيش، وهو ثمانية آلاف وسبعمائة رجل. وروي أن بعض الصحابة قال: يا رسول الله ما عجبنا من قوته وحمله ورميه بل من وضع إحدى يديه تحت طرفه، فقال صلى الله عليه وآله: انظروا إلى رجليه، قال فنظرت الصحابة إليها فرأينها معلقين فقلن: هذا أعجب، رجلاه على الهواء ؟ قال صلى الله عليه وآله: لا بل على جناحي جبرائيل. وهذا حسان قد أنشأ فيه أبياته الحسان: إن امرءا حمل الرتاج بخيبر * يوم اليهود بقدرة لمؤيد حمل الرتاج، رتاج باب قموصها * والمسلمون وأهل خيبر تشهد فرمى به ولقد تكلف رده * سبعون كلهم له متشدد وهذا كله خرق العادات، لا يتفق إلا لنبي أو وصي نبي، ولما لم يكن نبيا اتفاقا، كان وصيا التزاما. وقال ابن زريك: والباب لما دحاه وهو في سغب * من الصيام وما يخفى تعبده وقلقل الحصن فارتاع اليهود له * وكان أكبرهم عمدا يفنده نادى بأعلى العلى جبريل ممتدحا * هذا الوصي وهذا الطهر أحمده وبالجملة فقد أنشأت الفضلاء فيه مدايحهم، ونورت الشعراء بذكره أشعارهم مثل الوراق، والناشي، وابن حماد، والعوني، وابن العلوية، والحميري وتاج الدواير وابن مكني. ومنها: توليته على أداء سورة براءة بعد بعث النبي صلى الله عليه وآله أبي بكر بها، فلحقه بالجحفة، وأخذها منه ونادى في الموسم بها، وذكر ذلك ابن حنبل في مواضع من مسنده والثعلبي في تفسيره، والترمذي في صحيحه، وأبو داود في سننه، و مقاتل في تفسيره، والفراء في مصابيحه، والجوزي في تفسيره والزمخشري في كشافه، وذكره البخاري في الجزء الأول من صحيحه في باب ما يستر [ من ]
[ 7 ]
العورة [1] وفي الجزء الخامس في باب (وأذان من الله ورسوله)
[2] وذكره الطبري والبلاذري والواقدي والشعبي والسدي والواحدي والقشيري والسمعاني والموصلي وابن بطة وابن إسحاق والأعمش، وابن السماك في كتبهم. وبالجملة فإجماع المسلمين عليه لا يختلفون فيه، وفي القصة أنه لما رجع أبو بكر قال: يا رسول هل نزل في شئ ؟ قال: لا ولكن جاءني جبرائيل، وقال: لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، فظهر بهذا أن أبا بكر ليس من النبي صلى الله عليه وآله وأن عليا الوفي من النبي الأمي، فلينظر العاقل إلى الأمر السماوي، والسر الإلهي، كيف عزل أبا بكر بالجحفة جهرا، ونصب عليا بعده أميرا. ولما عاد النبي إلى ذلك الموضع في حجة الوداع، نص على علي كما شاع ذلك في الخلائق وذاع، لنبيه اللطيف الخبير، بالعزل والتأمير على أن من لم يصلح إرساله إلى بلد، لم يصح أن يحكم على كل أحد، وقد جرى في الأمثال أن العزل طلاق الرجال. وقد ذكر في كتاب الفاضح أن جماعة قالوا له: أنت المعزول والمنسوخ من الله ورسوله عن أمانة واحدة، وعن راية خيبر، وعن جيش العاديات، وعن سكنى المسجد، وعن الصلاة، فكيف تولي في الأمور العامات والخاصات، وليس للأمة تولية من عزله الله في السماء ورسول الله في الأرض، أدرجنا الله والمؤمنين في زمرة العاقلين، وأخرجنا وإياهم من حيرة الغافلين. قالوا: يلزم نسخ تبليغ أبي بكر، قبل حضور وقته، قلنا: إنما كان حاملا لا مبلغا. قالوا: ظاهر الحديث (لا يؤدي عنك إلا رجل منك) ينافي ذلك. قلنا: لا يلزم من النهي سبق الأمر بالتأدية، فإن كثيرا من المنهيات لم يسبق من العبد ما ينافيها، ولو صرح النبي صلى الله عليه وآله بكونه مبلغا جاز أن يكون [1] راجع ج 1 ص 77.
[2] راجع ج 3 ص 134.
[ 8 ]
مشروطا بشرط لم يظهره، والفائدة تميز على بها، وأبي بكر بعدم صلاحه لما هو أعلى منها. تذنيب: خاف موسى من قتل نفس واحدة من القبط، كما حكاه القرآن عنه، ولم يخف علي من تلهف أهل الموسم على قتله لقتله أقاربهم وأعزاءهم وهذا فضل على موسى عليه السلام فكيف على من ليس له بلاء حسن في الاسلام. وهذا النداء من علي أخيرا اقتفاء لنداء إبراهيم بالحج أولا فكان في العزل من الله والتأمير التنعية على منازل الرجال وفي النداء ممن هو كنفس العاقد اتساق الأحوال إذ لو لم يبعث بالأمر غير علي أولا ثم يعزله لم يجزم الناس بأنه ليس في الجماعة من يصلح له، قال الصاحب: براءة استرسلي في القول وانبسطي * فقد لبست جمالا من موليه وقال ابن حماد: بعث النبي براءة مع غيره * فأتاه جبريل يحث ويوضع قال ارتجعها وأعطها مولى الورى * بأدائها وهو البطين الأنزع فانظر إلي ذي النص من رب العلى * والله يخفض من يشاء ويرفع قالوا: كان أبو بكر الأمير العام على الحاج، فله الترجيح على علي حيث بعث لأمر خاص في ولاية أبي بكر، قلنا: قد جاء من طرقكم أنه رجع وقال من شدة خوفه: أأنزل في شئ ؟ ذكره الثعلبي في تفسيره وهذا يبطل أيضا ما يقولونه من أنه إنما رده لاحتياجه إليه وأي حاجة في التام الكامل إلى الناقص الجاهل وهل ذلك إلا قدح في رأي النبي صلى الله عليه وآله إذ فيه تسديد الذكي بالغبي وآية المشورة للتأليف والتأديب، لا للحاجة إلى رقيب [1] ونمنع كونه أميرا على الحاج لظهور [1] دفع دخل مقدر كأن قائلا قال: قد يحتاج التام الكامل إلى الناقص، ولذلك أمر الحكيم تعالى رسوله صلى الله عليه وآله بأن يشاور المؤمنين في قوله تعالى: (وشاورهم في الأمر).
[ 9 ]
عزله، ولم يرد ذلك إلا من الخصم ونقله، وكون علي في ولايته في حيز الامتناع لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يول عليه أحدا بالاجماع، وقد أسند الإصفهاني الأموري أن النبي صلى الله عليه وآله بعث إليه مع علي يخيره في الرجوع أو يتوجه معه وعلي أمير عليه فرجع ولم يذكر أنه عاد. قالوا: النداء أمر صغير لا يليق بالآمر، فلهذا صرف أبا بكر عنه، وهو لعلي فضيلة حيث إنه فسخ العقد، ولا يكون إلا من العاقد أو قريبه. قلنا: لا نسلم أن النداء لا يليق بالآمر، لقول جبرئيل، لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، ونمنع كون الفسخ لا يصلح إلا من القريب، فإن يد المستناب يد المستنيب، فليس عزله إلا لعدم صلاحه، ومعاذ الله أن يجري النبي صلى الله عليه وآله أحكامه على سنن الجاهلية، ولو كان كذلك لم يبعث أبا بكر بها أولا. تنبيه: قول جبرئيل (إلا رجل منك) أي من أهل ملتك، ولهذا قال جبرئيل و (أنا منكما) لما قال: (إن هذه لهي المواساة قال النبي صلى الله عليه وآله إنه مني وأنا منه) وقال إبراهيم (فمن تبعني فإنه مني) وهذا شاهد عدل على أن أبا بكر ما هو من النبي بهذا المعنى. قالوا: قال النبي صلى الله عليه وآله المؤمنون يسعى بذمتهم أدناهم. قلنا: إن صح هذا فهو للمبالغة لا للحصر، وإلا لا تنقض قوله: لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك. ومنها: أن النبي صلى الله عليه وآله خص ناسا من صحابته بطرف من العلم، فقال: أقرأكم أبي، أفرضكم زيد، أعلمكم بالحلال والحرام معاذ، أرقكم أبو بكر أشدكم عمر، وقال أقضاكم علي، والقضاء يحتاج إلى جميع العلوم، فيكون أعلم فيكون أقدم. ولما وازره يوم الدار تفل في فيه، وبين كتفيه ويديه، فقال له أبو لهب: بئس ما حبوت به ابن عمك إذ أجابك، فقال: ملأت فاه حكمة وعلما. قالوا: يلزم أن يكون كل واحد من المذكورين أعلم بالخصلة التي خصه
[ 10 ]
النبي بها، فيكون أبي أقرأ منه، وزيد أفرض منه، ومعاذ بالحلال والحرام أعلم منه. قلنا: في كتبكم عموم علم علي عليه السلام فروى العاقولي في شرح المصابيح عن ابن مسعود: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي، وفيه عن ابن المسيب: ما كان أحد يقول: سلوني، غير علي، وفي الوسيلة عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وآله علي أقضى أمتي بكتاب الله، ورواه الخوارزمي بقراءته وأسنده إلى الخدري و أسند نحوه عن سلمان الفارسي وهذان أعم من الأول لخصوصه بالمخاطبين، وذكر فيها أن ذلك من خصائصه، والقضاء الحكم فيكون في القراءة تبين الراجح و الشاذ، وكذا في الفرائض والأحكام، والحلال والحرام، فلو دخل القضاء تحت هذه الأقسام، لزم تناقض الكلام، وهو محال من النبي، فالحديث الذي فيه خصوص كل واحد بشئ إن صح فمخصوص بغير علي، إذ لا دليل فيه على حضور علي عند الخطاب لأولئك الأصحاب. ولو حضر فقد خرج بما في كتبكم من عموم علمه عن عموم الخطاب، فقد أخرج صاحب الوسيلة عن ابن عباس قول النبي [ لما ] نزلت (إنما أنت منذر و لكل قوم هاد) أنا المنذر، وعلي الهادي، يا علي بك يهتدي المهتدون، وأخرج أيضا: من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في علمه، وإلى يوسف في احتماله، فلينظر إلى علي ابن أبي طالب. فأثبت له الهدى، ومثل علم نوح، ولم يقل في أحد مثل ما قال فيه في الحديث المجمع عليه. وأخرج في الوسيلة حديث أم سلمة وفيه (علي عيبة علمي) فلو لم يكن أعلم من غيره، كان بعض الصحابة أعلم من النبي صلى الله عليه وآله. وأخرج أيضا أن عليا أعظم المسلمين حلما، وأكثرهم علما، فلو كان فيهم أعلم من أمير المؤمنين، لزم أن يخرج علي من المسلمين. وفي مسند ابن حنبل (أقضاكم علي) وفيه أنه عليه السلام قضى قضاء أعجب النبي صلى الله عليه وآله فقال النبي: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت.
[ 11 ]
وفيه أن ثلاثة وقعوا على جارية في طهر واحد: فولدت، فأقرع بينهم علي عليه السلام فعرضت على النبي صلى الله عليه وآله فقال: ما أجد إلا ما قال علي. وفي صحيح مسلم: أمر عثمان برجم امرأة ولدت لستة أشهر، فقال عليه السلام (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا [1] وفصاله في عامين
[2]) فردها. قالوا: اجتمعت الأمة على تقديم المشايخ، فلزم كونهم أعلم. قلنا: نمنع الاجماع أولا بما في قول الزهري، وشارح الطوالع، وصاحب الصحائف، وغيرهم: إن خيار الصحابة كان مع علي في التخلف عن البيعة، ولو سلم عدم تخلفهم جدلا لم يلزم حصول الاجماع، لقول الرازي في معالمه (لا يكون الاجماع إلا بكل الأمة) وقال في المعتمد: التمسك بقوله تعالى (وكونوا مع الصادقين) وليس المراد الصادق في بعض الأمور، وإلا لكان أمرا بموافقة الخصمين، لأن كلا منهما صادق في بعض، فالمراد الصادق في الكل، فهو إما بعض الأمة، ولا شك أنا لا نعرفه، فيكون كلها وهو المطلوب، ولو سلم إجماع الكل، لكن قد نقل الرازي عن النظام عدم حجية الاجماع ساكتا عليه، ولو سلم الاجماع وحجيته لم يلزم كونهم أعلم، وأنتم تجوزون المفضول، وتواتر في كتبكم كونه عليه السلام أعلم ففي صحيح مسلم في تفسير غافر عن ابن عباس: كان علي تعرف به الفتن وروى عنه أنه قال اسألوني قبل أن تفقدوني عن كتاب الله ما من آية إلا وأنا أعلم حيث نزلت، وما من فتنة إلا وقد علمت كبشها، ومن يقتل فيها، والعلم بما يكون لا يكون إلا للرسول لقوله تعالى (لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول
[3]) والرسول يطلع الإمام، ليستدل به على استحقاقه لذلك المقام، وفي مناقب ابن المغازلي قال النبي صلى الله عليه وآله عهد الله إلي عهدا في علي أنه غاية الهدى، و إمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه أحبني [1] الأحقاف: 15.
[2] لقمان: 14.
[3] الجن: 27.
[ 12 ]
ومن أطاعه أطاعني. ومن قضاياه ما ذكره القطان أن جماعة من أهل الكتاب سألوا عمر عن قول الله تعالى (وجنة عرضها السماوات والأرض [1]) فأين بقية الجنان ؟ فقال لا أعلم فقال علي عليه السلام فأين يكون النهار إذا أقبل الليل ؟ ! قالوا: في علم الله، قال فكذا هنا فجاء علي فأخبر النبي فنزلت (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون
[2]). وروى الواقدي والطبراني أن عمر بن نائل ادعى على النبي صلى الله عليه وآله بعد خروجه من مكة مائتي مثقال ذهبا، وذلك بمواطأة أبي جهل وعكرمة وعقبة وأبي - سفيان وحنظلة، فقلب علي الودائع فلم يجدها فقال: إنها مكيدة تعود على من دبرها، من يشهد لك ؟ فأحضر المذكورين، ففرقهم علي وسألهم عن أوقات الوديعة فاختلفوا فقال لعمر أراك قد اصفر لونك، فأسلم واعترف أنهم برطلوه مائة مثقال
[3]. وروى ابن حنبل في مسنده وابن منيع في أماليه أنه قضى في الأربعة الذين وقع أحدهم في الزبية
[4] فتمسك بثان، والثاني بثالث، والثالث برابع، أن على الأول ثلث دية الثاني، وعلى أهل الثاني ثلثا دية الثالث وعلى أهل الثالث كمال دية الرابع فصوبه النبي صلى الله عليه وآله. ورى ابن مهدي في نزهة الأبصار: قضى علي في الجارية الواقعة عن ثانية بقرض ثالثة أن عليها ثلثا ديتها فصوبه النبي صلى الله عليه وآله ولا يجوز لأحد الحكم في زمن النبي صلى الله عليه وآله إلا بنيابة، فالنبي قد نوه باسم علي عليه السلام حين أخبر بإصابته، ونبه الأمة بغزارة علمه على استحقاق خلافته، إذ غاية ما يراد من السفراء إجراء الأحكام على وجهها، ورد الحقوق إلى أهلها، وإقامة الحدود على مستحقها، وتعليم الأمة [1] آل عمران: 133.
[2] النحل: 43، والأنبياء: 7.
[3] البرطيل: الرشوة، يقال: برطله فتبرطل: أي رشاه فارتشى، ومنه قولهم (إن البراطيل تنصر الأباطيل).
[4] الزبية: حفرة تحتفر لصيد الأسد والذئب.
[ 13 ]
شرايعها وذرايعها، وكفها عن تتايعها [1]. وقضى في طفلين اشتبه الحر منهما بالقرعة، فأمضاه النبي صلى الله عليه وآله وفي خصائص الرضي وواحدة ابن جمهور عن الباقر والصادق أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله في بقرة قتلت حمارا فقال صلى الله عليه وآله: سلا أبا بكر، فقال: لا شئ فيها فأشار بهما إلى عمر فقال كالأول، فقال: سلا عليا فقال: إن كانت دخلت عليه في مراحه فعلى ربها قيمته وإن كان دخل عليها في منامها فلا غرم، فقال صلى الله عليه وآله: لقد قضى بينكما بقضاء الله تعالى. فانظر إلى غزارة علمه وجهلهما، وكيف نبه النبي صلى الله عليه وآله على ذلك حيث أمر الخصمين بسؤالها كما نبه على جهلهما حيث تقاضا مع الأعرابي في ثمن الناقة إليهما، فتحاكما إلى علي فضرب عنقه لما كذبه، وكما نبه على عدم صلاح أبي بكر للخلافة بإرساله عليه السلام ببراءة وعزله بعلي، والعلم من خصائص الأنبياء والأوصياء. فقد روي عن الصادق عليه السلام أن بني إسرائيل سألوا سليمان أن يستخلف عليهم ابنه، فقال: لا يصلح فألحوا عليه، فقال: إني سائله عن مسائل إن أحسن جوابها أستخلفه، فسأله فما أجابه. جابر عن ابن عباس عن أبي قال قرأ النبي صلى الله عليه وآله عند قوم فيهم أبو بكر وعمر وعثمان (وأسبغ عليكم نعمه
[2]) فقال صلى الله عليه وآله: قولوا ما أول نعمه ؟ فخاضوا في الرياش والمعاش، والذرية والأزواج، فقال يا أبا الحسن قل، فقال: إذ خلقني ولم أك شيئا مذكورا، وأحسن بي فجعلني حيا متفكرا، واعيا شاعرا ذاكرا، و هداني لدينه، ولن يضطرني عن سبيله وجعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها، و النبي صلى الله عليه وآله يقول في كل كلمة: صدقت، ثم قال فما بعد ذلك ؟ فقال: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
[3]) فتبسم النبي وقال: لتهنئك الحكمة، ليهنئك العلم، أنت وارث علمي والمبين لأمتي. وفي الحلية قال: يا أبا الحسن لقد شربت العلم شربا، ونهلته نهلا: [1] تتابع في الأمر: ركب فيه على خلاف الناس، وفي الشر: تهافت وأسرع إليه.
[2] لقمان: 20.
[3] إبراهيم: 34.
[ 14 ]
العلم قالوا لعلي ولا * ملك له واستكبروا فيها ما سلموا لله في نصه * قل لمن الأرض ومن فيها وروى العامة والخاصة أن أبا بكر أتي برجل شرب خمرا فأراد حده، فقال: لم أعلم تحريمها فارتج عليه الأمر، فأرسل إلى علي يسأله، فقال: طوفوا به على المهاجرين والأنصار، إن كان أحد تلا عليه آية التحريم فأقم عليه الحد، وإلا خل عنه ففعل، وكان الرجل صادقا فخلى عنه. وأتى إليه رجل بشخص وقال: هذا ذكر أنه احتلم بأمي فدهش، فقال عليه السلام: أقمه في الشمس وحد ظله، فإن الحلم ظل. أبو بصير عن الصادق عليه السلام أراد قوم بناء مسجد بساحل عدن، فكلما بنوه سقط، فسألوا أبا بكر فخطب وسأل الناس، فلم يجد عندهم شيئا، فقال عليه السلام احفروا تجدوا قبرين مكتوب عليهما (أنا رضوي وأختي حبى، متنا ولا نشرك بالله شيئا) فغسلوهما وكفنوهما وصلوا عليهما وادفنوهما ثم ابنوا، يقوم البناء، فوجدوا كما قال عليه السلام. قال ابن حماد: وقال للقوم امضوا الآن واحتفروا * أساس قبلتكم تفضوا إلى حزن عليه لوح من العقبان محتفر * فيه بخط من الياقوت مندفن نحن ابنتا تبع ذي الملك من يمن * حبي ورضوي بغير الحق لم ندن متنا على ملة التوحيد لم نك من * صلى إلى صنم كلا ولا وثن وفي أمالي ابن دريد وضياء الأولياء عن عبد الله الأندلسي دخل يهودي على أبي بكر وقال: أخبرني عما ليس لله، ولا عند الله، ولا يعلم الله، قال هذه مسائل الزنادقة، فقال ابن عباس: ما أنصفتموه اذهبوا به إلى من يجيبه فإني سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول لعلي: اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه، فقام أبو بكر إليه فيمن حضره وسألوه عن ذلك فقال عليه السلام: ليس لله ولد ولا عنده ظلم، ولا يعلم له شريك، فأسلم اليهودي.
[ 15 ]
وسأل رسول الروم أبا بكر عمن لا يرجو الجنة، ولا يخاف النار، ولا يخاف الله، ولا يركع ولا يسجد، ويأكل الميتة والدم، ويشهد بما لم ير، و يحب الفتنة ويبغض الحق، فقال عمر: ازددت كفرا على الكفر. فبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال: هذا من أولياء الله: لا يرجو الجنة بل يرجو الله، ولا يخاف النار بل يخاف الله، ولا يخاف الله من ظلم، ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة، و يأكل الجراد، والسمك والكبد، ويحب الفتنة: المال والولد، ويشهد بالجنة والنار ولم يرهما، ويكره الحق وهو الموت. وأسند الطوسي في أماليه وابن جبر في كتاب الاعتبار في إبطال الاختيار إلى سلمان أنه قدم على أبي بكر نصارى وفيهم جاثليق فقال وجدنا في الإنجيل رسولا بعد عيسى وفي كتبنا لا تخرج الأنبياء من الدنيا إلا ولهم أوصياء فقال عمر: هذا خليفة رسول الله. فقال الجاثليق: بم فضلتم علينا ؟ قال أبو بكر: نحن مؤمنون، وأنتم كافرون قال: فأنت مؤمن عند الله أم عند نفسك ؟ فقال: عند نفسي ولا علم لي بما عند الله فقال: أنا كافر عندك أم عند الله ؟ قال عندي ولا علم لي بما عند الله قال: أنت شاك في دينك، ولست على يقين من دينك، قال أفتصل بما أنت عليه من الدين إلى الجنة ؟ قال لا أعلم، قال أفترجو لي ذلك ؟ قال أجل، قال فما أراك إلا راجيا لي وخائفا على نفسك، فما فضلك علي، وكيف صرت خليفة النبي صلى الله عليه وآله ولم تحط علما بما تحتاج إليه الأمة ؟ قال عمر: كف عن هذا العبث وإلا أبحنا دمك، قال: ما هذا عدل على من جاء مسترشدا، دلوني على من أسأله. فجاء سلمان به إلى علي عليه السلام فسأله، فقال عليه السلام في جوابه: أنا مؤمن عند الله وعند نفسي، وأصل إلى الجنة بوعد نبيي، المعلوم صدقه بمعجزاته، قال: أين الله اليوم ؟ قال عليه السلام: إن الله أين الأين، فلا أين له، قال فيحس ؟ أم بم يعرف ؟ قال عليه السلام تعالى الله عن الحواس، ويعرف بصنايعه، قال: فما عندكم في المسيح ؟
[ 16 ]
قال مخلوق لتغيره، قال: فبم بنت الرعية قال عليه السلام: لعلمي بما كان وما يكون قال: هات برهانه، قال: أظهرت في سؤالك الاسترشاد، وأضمرت خلافه، وأريت في منامك مقامي، وحذرت من خلافي، فأسلم الجاثليق ومن معه، وأقروا بوصايته. فقال عمر: يجب أن تعلم أن الخليفة هو من خاطبت أولا برضى الأمة، فأبى ذلك، فقال عمر: لولا أن يقول الناس قتل مسلما لقتلته، وإني أظنه شيطانا يريد إفساد هذه الأمة، ثم توعد من يذكر هذه القصة. تذنيب: قال ابن ميثم للعلاف: إبليس ينهى عن الخير كله ويأمر بالسوء كله ؟ قال: نعم، قال: أفيجوز منه ذلك كله في كليهما، وهو لا يعلم مجموعهما ؟ قال لا قال: فقد علم الخير كله والشر كله ؟ قال: نعم، قال: فإمامك بعد الرسول يعلم الخير كله والشر كله ؟ قال: لا، قال: فإذن إبليس أعلم من إمامك. وفي عهد عمر ذكر الشريف النسابة أن غلاما طلب مال أبيه من عمر، وذكر أنه مات بالكوفة، فطرده، فخرج يتظلم فأتي به إلى علي عليه السلام فنبش قبر أبيه، و أخرج منه ضلعا له، وأمره بشمه، ففعل فخرج الدم من أنفه، فقال عمر: وبهذا يسلم إليه المال ؟ قال: هو أحق به منك ومن سائر الخلق، ثم أمر الحاضرين بشمه فلم ينبعث الدم فأعاده إلى الغلام فانبعث دمه فسلم إليه مال أبيه، وقال: والله ما كذبت ولا كذبت. عمر بن داود عن الصادق عليه السلام لما مات عقبة قال علي لرجل: حرمت عليك امرأتك، قال عمر: كل كلامك عجب، يموت رجل فتحرم امرأة آخر ؟ قال: هذا عبد عقبة تزوج بحرة ترث اليوم بعض ميراثه فصار بعض زوجها رقا لها، وبضع المرأة لا يتبعض، قال عمر: لمثل هذا أمرنا أن نسألك عما اختلف فيه. وأمر عمر برجم رجل فجر غائبا عن أهله فقال علي: إنما عليه الحد، فقال: لا أبقاني الله لمعضلة لم يكن لها أبو الحسن.
[ 17 ]
وذكر الجاحظ عن النظام في كتاب الفتيا أن عليا لما ورث فضة زوجها من أبي تغلبة فأولدها ولدا ومات فتزوجها سليك، فمات ابنها فامتنعت من سليك فشكاها إلى عمر، فقالت: إن ابني من عيره مات فأردت أن أستبرئ بحيضة، فإن حضت علمت أن ابني مات ولا أخ له، وإن كنت حاملا فالذي في بطني أسوه ؟، فقال عمر: شعرة من آل أبي طالب أفقه من عدي. وفي الحدائق والكافي وتهذيب الطوسي أن غلاما أنكرته أمه بحضرة عمر فنفاه عنها، فشكا إلى علي عليه السلام أمره، فطلب أن يزوجها منه، فأقرت به، فقال: لولا علي لهلك عمر. وأتي عمر بابن أسود انتفى منه أبو، فأراد تعزيره، فقال علي: جامعتها في حيضها ؟ قال: نعم، قال: فلذلك سوده الله، غلب الدم النطفة، فقال: لولا علي لهلك عمر. أبو القاسم الكوفي والنعمان القاضي ؟ رفع إلى عمر أن عبدا قتل مولاه، فأمر بقتله، فأتي به إلى علي فقال علي عليه السلام ولم قتلته ؟ قال: غلبني على نفسي، و أتاني في ذاتي، فحبس الغلام ثلاثا ثم مضى علي عليه السلام والأولياء فنبشوا قبره، فلم يجدوه فيه، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: (من عمل من أمتي عمل قوم لوط حشر معهم). عن عطا وقتادة وأحمد وشعبة أن مجنونة قامت عليها البينة أن رجلا فجر بها، فأراد عمر أن يحدها، فبعث إليه على عليه السلام يقول النبي صلى الله عليه وآله رفع القلم عن المجنون فقال عمر فرج الله عنك، لقد كدت أن أهلك. وأشار إلى ذلك [ أبو نعيم ] في حلية الأولياء والبخاري في صحيحه. وقضى في عهد عثمان روته العامة والخاصة أن شيخا نكح امرأة ولم يصل إليها فحملت فأنكر حملها. فأمر عثمان بالحد، فقال علي عليه السلام لعله كان ينال منها سم حيضها، فجئ به فاعترف أنه أنزل الماء في قبلها من غير وصول إليها وفي كشف الثعلبي وأربعين الخطيب وموطأ مالك: أتي عثمان بامرأة
[ 18 ]
ولدت لستة أشهر، فأمر برجمها، فتلا علي عليه السلام (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (وفصاله في عامين [1]) فخلى عنها. وقضى في رجل ادعى نقص نفسه بجناية آخر، فأقعده من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وعد أنفاسه وعد أنفاس آخر في سنه، وأخذ منه الدية بحسب التفاوت. وبعث ملك الروم إلى معاوية يسأله عن لا شئ فتحير، فقال عمرو ابن العاص: أرسل فرسا تباع بلا شئ فجاء إلى علي بالفرس فأخرجه وقنبرا إلى الصحراء فأراه السراب أخذا من قوله تعالى (حتى إذا جاءه لم يجده شيئا
[2]). وسئل عن المد والجزر، فقال: إن لله ملكا موكلا بالبحر يضع قدميه فيه ويرفعهما. وسأله ابن الكواء عن بقعة ما طلعت عليها الشمس إلا لحظة، فقال عليه السلام: ذاك البحر لما فلقه الله لموسى عليه السلام، وعن شئ شرب وهو حي وأكل وهو ميت قال: عصاة موسى شربت وهي ؟ حرة، وأكلت حبال السحرة. وعن مكذوب عليه لا من الجن ولا من الإنس، فقال: ذئب يوسف. ابن عباس أتى أمير المؤمنين عليه السلام أخوان يهوديان وسألاه أن في الكتب الأربعة: واحد لا ثاني له وثاني لا ثالث له، إلى المائة فتبسم عليه السلام وقال: الواحد الله، والاثنان آدم وحوا، والثلاثة جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، والأربعة: الكتب الأربعة، والخمسة الخمس صلوات، والست أيتام الخلق، والسبع السماوات، والثمانية حملة العرش، والتسع آيات موسى، والعشرة (تلك عشرة كاملة)
[3] ولم يزل عليه السلام يعد إلى آخر المائة فاعترفا وأسلما، ومن أراد تمامها فليطلبها من كتاب ابن شهرآشوب في الجزء الرابع منه. [1] الأحقاف: 15، لقمان: 14.
[2] النور: 39.
[3] البقرة: 196.
[ 19 ]
وسئل عن ابن أكبر من أبيه، فقال: عزير بعثه الله ابن أربعين سنة، وله ابن مائة وعشرة، وسئل عن شئ لا قبلة له، فقال عليه السلام الكعبة. فهذه نبذة يسيره من عجائبه وغرائبه، والمخالف يدعي زيادة العلم لأعدائه وتاه في بيداء الضلالة، حيث لم يذكر جهل أبي بكر بميراث الجد والكلالة. حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضله فالناس أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها * حسدا وبغضا إنه لذميم آخر: يا سائلي عن علي والذي فعلوا * به من السوء ما قالوا وما عملوا لم يعرفوه فعادوه لما جهلوا * والناس كلهم أعداء ما جهلوا آخر: إذا تليت آيات ذكري قابل * المحبون ذكري بالسجود لحرمتي وأوجب كل منهم الوقف عندها * وسلم أن لا قصة مثل قصتي آخر: ذنبي إلى البهم الكوادم أنني * الطرف المطهم والأغر الأقرح يؤلونني خزر العيون لأنني * غلست في طلب العلى وتصبحوا نظروا بعين عداوة لو أنها * عين الرضا ما استقبحوا استحسنوا لو لم يكن لي في القلوب مهابة * لم يقذف الأعداء في ويقدح فالليث من حذر تشق له الربا * أبدا وتتبعه الكلاب النبح ومنها: قوله صلى الله عليه وآله (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب) فجعل نفسه الشريفة تلك المدينة ومنع الوصول إليها إلا بواسطة الباب فمن دخل منه كان له عن المعصية جنة واقية، وإلى الهداية غنية وافية، حيث أوجب الرجوع إليه في كل وقت المستلزم للعصمة، المستلزمة لاستحقاقه. ولقد أحسن الأعرابي حين دخل المسجد فسلم على علي قبل النبي صلى الله عليه وآله فضحك الحاضرون فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول (أنا مدينة العلم وعلي بابها
[ 20 ]
فمن أراد المدينة فليأت الباب) فقد فعلت كما أمر صلى الله عليه وآله. وسبب الحديث ما حكاه ابن طلحة عن بعض الشافعية أنه وجد بخطه أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وآله (طمش طاح فغادر شبلا لمن النشب) ؟ فقال عليه السلام النشب للشبل مميطا فدخل علي عليه السلام فذكر له النبي لفظ الأعرابي فأجاب بما أجاب النبي صلى الله عليه وآله فقال عليه السلام (أنا مدينة العلم وعلي بابها.) فائدة: ليس في قوله صلى الله عليه وآله (من أراد المدينة فليأت الباب) تخيير بل هو إيجاب وتهديد، مثل قوله (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) [1] ودليل الايجاب أنه ليس بعد النبي صلى الله عليه وآله نبي آخر حتى يكون المكلف مخيرا في الأخذ عنه، وعن علي عليه السلام، فمن أخذ علما من غير الباب فهو سارق غاصب. وقد أسند ابن بابويه إلى الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله من دان بغير سماع ألزمه الله التيه إلى الفناء، ومن دان بسماع من غير الباب الذي فتحه الله لخلقه فهو مشرك، والمأمون على وحي الله محمد وآله، والآل علي وأولاده المعصومون، لحديث (مدينة العلم) ولما رواه الطوسي عن الصادق عليه السلام كان أمير المؤمنين باب الله الذي لا يؤتي إلا منه، وسبيله الذي من تمسك بغيره هلك كذلك جرى حكم الأئمة بعده واحد بعد واحد، ولنعم ما قال البشنوي: فمدينة العلم الذي هو بابها * أضحى قسيم النار يوم مآبه فعدوه أشقى البرية في لظى * ووليه المحبور يوم حسابه قال المخالف: (وعلي بابها) أي بابها علي، قلنا تأويل بالهوى، لم ينقله ذي هدى ويبطله ما أخرجه ابن المغازلي في المناقب من قوله عليه السلام (أنا مدينة العلم وأنت الباب، كذب من زعم يصل إلى المدينة إلا من الباب) وقال ابن المغازلي في كتابه أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله فلما صرت بين يدي ربي، ناجاني فما علمني شيئا إلا وعلمته عليا فهو باب علم مدينتي، وعلى هذا الحديث إجماع الأمة. روي عن جابر بطريق، وعن أم سلمة بطريق، وعن علي بطريقين، وعن [1] الكهف: 18.
[ 21 ]
ابن عباس بطريقين، ورواه الخطيب ويحيى بثلاث طرق، وابن شاهين بأربعة، و الجعابي بخمسة، وابن بطة بستة والثقفي بسبعة، وأحمد بثمانية، ورواه ابن جبر في نخبه، والمفيد في إرشاده، وابن بابويه في نصوصه، وأخرجه صاحب المصابيح وصاحب المستدرك، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجه البخاري ومسلم. قال: في الحديث زيادة هي أن أبا بكر وعمر وعثمان حيطانها وأركانها، و ظاهر فضل الحائط الملا، على الباب الخلا. قلت: الزيادة مكذوبة، ويكفي الثلاثة على تقدير صحتها كونهم حائلين بين العلم والناس، وعلى الموصوف بمشرعته و بابه، من دخله كان آمنا من الزيغ برفع حجابه. قالوا: لا رجحان لعلي بذلك، لقول النبي صلى الله عليه وآله: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. قلنا: إثبات الاهتداء بهم لا يدل على نفي زيادة علي عليه السلام عليهم، كالأنبياء السابقين، ولما أخرجه أبو نعيم في حليته من قول سيد المرسلين في أمير المؤمنين عليه السلام قسمت الحكمة عشرة أجزاء أعطي علي عليه السلام تسعة وأعطي الناس كلهم واحدا، مع أن منهم الناكثون والقاسطون والمارقون، وقد عرف ما جاء في حقهم، فيلزم كون الاقتداء بمن يمرق من الدين اهتداء، وقد أجمع من الصحابة خلق على قتل عثمان فإن كان صوابا كفاه خزيا، وإن كان خطأ كان الاقتداء بهم اعتداء لا اهتداء، وقد عرفت إيضاحه لمشكلات أعجزت غيره، وتحير فيها من تقدمه. ومنها: قصة الأرغفة والمسألة الدينارية، وعلم زنة قيد العبد قبل فكه وقد سلف ذلك ونحوه في الفصل التاسع عشر من باب فضائله [1] وغير ذلك من عجائبه. فإن قلت إنهم كالنجوم * فنور علي هو الأزهر ولا ريب في فضلهم جملة * وبينهم رتب تبصر فإن مدح المصطفى صحبه * فمدح علي هو الأظهر راجع: ج 1 ص 323 و 324.
[ 22 ]
فكيف يفضل مفضوله * ويدفع عن حقه حيدر قالوا: لو سلمت الأعلمية لجاز أن يكون الإمامة العظمى للمفضول فيها كما كانت الرياسة العامة لموسى والخضر أعلم منه، والهدهد في رعية سليمان واستفاد منه وأصاب سليمان في حكم الحرث دون أبيه وولى عمر عليا على قضاء المدينة حين خرج إلى العراق وهو عندكم أعلم منه. قلنا: لا عموم لرياسة موسى لقصور دعوته على بني إسرائيل، وقد قيل إن الخضر عليه السلام كان نبيا وقيل كان ملكا. وقد أخرج البخاري عن البكالي أن موسى المذكور غير موسى بني إسرائيل وقد جاء في التفسير أنه لما لقي موسى، قال: علمني الله ما لا تعلم، وعلمك ما لا أعلم، فجاز أن يعلم الخضر ما لا يتعلق بالأداء، ويكون موسى أعلم منه بما يتعلق بالأداء، وأما الهدهد فلا شك أنه إلهام لا اكتساب، فلله أن يخص به من يشاء، ولم يدع أحد أن النبي صلى الله عليه وآله يعلم الغيب إلا بالإعلام فضلا عن الإمام ولم يستدل عاقل ب‌ (- هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون [1]) على أن سليمان لا يستوي بالهدهد، وحكم سليمان عليه السلام كان ناسخا لحكم داود كما قال الجبائي لا أن داود عليه السلام أخطأ، ولا نسلم أن سليمان في ذلك الوقت كان في رعية أبيه لقوله تعالى (كلا آتينا حكما وعلما
[2]) وظاهره أن الحكم النبوة. وقولهم ولى عمر عليا قلنا: إن صح فلعلي التوصل بما أمكن إلى حقه إذ يجب عليه إقامة شرع نبيه، وقد تولى يوسف الطاهر الفاضل من قبل العزيز الكافر الجاهل، وقد تولت القضاة من قبل الظلمة فلا فرح للمخالف في هذه الكلمة وقد رجع إليه عمر عن خطائه في مواضع كما في المجنونة التي أراد أن يحدها على الزنا، فقال له علي: أما علمت أن القلم رفع عن المجنون، على ما أخرجه البخاري. فاعتذر له الرازي بعدم علمه بالجنون قلنا: هذا ساقط بأنه عرفه بما [1] الزمر: 9.
[2] الأنبياء: 79.
[ 23 ]
يترتب على المجنون ولم يعرفه بنفس الجنون. وقد أخرج ابن المغازلي أن رجلا سأل معاوية فقال سل عليا فإنه أعلم مني، قال أنت أحب إلي قال: بئس ما قلت، لقد كرهت من كان النبي يغره العلم غرا، ولقد كان عمر يسأله ويأخذ عنه ثم قال له قم، ومحى اسمه عن ديوان العطاء. وقولهم: لا نسلم أن الأعلمية توجب الإمامة قلنا: هذا خلاف ما ذكرتم أن فقهاء المذاهب الأربعة نصوا على استحقاق الأعلم، ومع ذلك نقول لهم: إن عنيتم بالاستحقاق على سبيل الوجوب، فقد خالفتم مذهبكم، إذ لا وجوب للإمامة عندكم، وإن قلتم على الوجوب بطل احتجاجكم. قالوا: رجع علي في مسألة المذي إلى غيره، فالغير أعلم منه، قلنا: ذلك الغير هو النبي صلى الله عليه وآله فإنه سأله بواسطة وهو حاضر يسمعه حياء منه لمكان فاطمة كما أخرجه البخاري وغيره. قالوا: خولف علي في الفروع مثل بيع أمهات الأولاد، قلنا: ذلك جرأة من المخالف على من دعا النبي صلى الله عليه وآله له بإدارة الحق معه، والمخالف له لم يوجب خطأه، وإلا لكان النبي صلى الله عليه وآله مخطئا حيث خالفه عمر وجماعة في منع الكتاب. وقد خالف أبو حنيفة النبي صلى الله عليه وآله في مواضع وقال لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله في زماني لأخذ بكثير من أقوالي ذكره ابن الجوزي في المنتظم، ولما نقل الغزالي ما قال الناس في مثالب الثلاثة، قال: أما علي فلم يقل فيه ذو تحصيل شيئا. ومنها: ما أسنده الحافظ في الحلية من قول النبي صلى الله عليه وآله لأبي برزة: إن الله عهد إلي في علي عهدا: إنه راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، و نور جميع من أطاعني، وصاحب رايتي في القيامة، وأميني على مفاتيح خزائن ربي وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أطاعه أطاعني، ومن أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني، وقد سلف نحو هذه. وقد نظم الضعيف مصنف هذا الكتاب اللطيف نحو هذه في معاني الحديث الظريف بما قيل لبعض الفضلاء: لم عدلت عن النثر إلى النظم فقال: لم يحفظ ؟ س من
[ 24 ]
النظم عشرة ولم يحفظ من النثر عشرة، وقد أشار الشيخ تاج الدين بن راشد في قوله: والنظم أولى بقبول الذهن * له وأحلى موقفا في الأذن فقلت: قد أسند الحافظ في حليته * قول النبي في علي مستطر عهد من الله إلي قد أتى * بأنه منار ديني المفتخر وأنه إمام أوليائه * ونور من أطاعه من البشر وحامل الراية في العرض وقد * أمنته على المفاتيح الغرر وأنه كلمة الله التي * ألزمها للمتقين في الأثر وأن من أحبه أحبه * وعكسه كذا أتى به الخبر عن رجل ليس بذي حمية * لأنه يولي عتيقا وعمر ومنها: لما نزلت (إنما المؤمنون إخوة [1]) ونزلت (إخوانا على سرر متقابلين
[2]) قال جبرائيل: هم أصحابك يا محمد، أمرك الله تعالى أن تواخي بينهم في الأرض كما وآخى الله بينهم في السماء، فقلت: إني لا أعرفهم قال: أنا قائم بإزائك كلما أقمت مؤمنا قلت لك أقم فلانا فإنه مؤمن وكلما أقمت كافرا قلت لك أقم فلانا فإنه كافر، فواخ بينهما فلما فعل ذلك ضج المنافقون فأنزل الله تعالى (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب
[3]) فحزن علي عليه السلام إذ أخره بأمر جبرائيل فأنزل الله تعالى إليه إنما خبأته لك، وآخيت بينكما في السماء و الأرض، فقام النبي صلى الله عليه وآله وذكر لنفسه مزايا وذكر لعلي نحوها ليدل بها على [1] الحجرات: 10.
[2] الحجر: 47.
[3] آل عمران: 179.
[ 25 ]
عظيم منزلته، فإنه مستحق خلافته، أوردها محمد بن جعفر المشهدي في كتاب ما اتفق من الأخبار حذفناها طلبا للاختصار، وهذه المواخاة أدل على الفضل من مواخاة النسب، لأن الكافر قد يكون أخو المؤمن من النسب، وفي هذه المماثلة من الأوصاف (ما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها [1]) (يا أخت هارون
[2]) ولم يكن بينهما نسب كما ذكر ذلك جماعة من المفسرين، وأسند ابن حنبل وابن المغازلي أن النبي صلى الله عليه وآله رأى في الإسراء على باب الجنة (محمد رسول الله علي أخو رسول الله) ورواه في الجزء الثالث من الجمع بين الصحيحين من صحيح أبي داود و صحيح الترمذي. فانظر إلى مرتبته حيث أمر الله نبيه بالمواخاة بين صحابته، فلم يجد فيهم غير علي يصلح لأخوته، لأنه نظيره في النسب وصراحته، وفي آية التطهير المفوهة بعصمته، وفي آية (إنما وليكم الله
[3]) المبينة لإمامته، وفي كونه منه في حديث سورة براءة وتأديته، وفي قوله تعالى: (قل تعالوا ندع
[4]) يوم المباهلة، وفي استطراق مسجده جنبا وفتح باب سدته. شعر: آخا النبي عليا والأخوة لا * تدعوا سوى المثل عند الضرب للمثل وقد تمدح به علي عليه السلام في قوله: ومن حين آخا بين من كان حاضرا * دعاني وآخاني وبين من فضلي وقد علم كل ذكي أن من تقدم على علي فقد تقدم على نظيره أي النبي صلى الله عليه وآله. [1] الزخرف: 48.
[2] مريم: 28.
[3] المائدة: 55.
[4] آل عمران: 61.
[ 26 ]
نكتة: قيل لابن بابويه: أتفضل عليا على أبي بكر ؟ قال: لا، قيل: أتفضل أبا بكر على علي ؟ قال: لا، قيل: فلا تفاضل بينهما ؟ قال: نعم، قيل: وكيف تقول ؟ قال: الأشياء إما أضداد، وظاهر أنه لا تفاضل بينهما، أو أشباه وأمثال، وأبو بكر لا يشابه عليا، لما علم من مساواته للنبي صلى الله عليه وآله حين واخاه. وحديث المواخاة له قد اتفق الفريقان على صحته وقد أورده شارح المصابيح في مناقبه، والترمذي في صحيحه، وابن حنبل في مواضع بطرق مختلفة في مسنده والبلاذري والسلامي وأبو عمرو القاضي، وابن بطة من طرق ستة، والقطان في تفسيره، وذكره الحسن ووكيع، وأبو داود في سننه، والثعلبي في تفسيره، و في الجزء الثالث من الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدي وهذه تبطل ما رووه من قوله: (ادعوا إلي أخي وصاحبي [1]). وذكره أيضا ابن المغازلي الشافعي في مناقبه وفي بعضها أنه عليه السلام أرقاه المنبر وقال: اللهم إن هذا مني وأنا منه، ألا إنه بمنزلة هارون من موسى، ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه. فبخبخ الثاني واعترف بأنه مولاه، ثم أنكر المواخاة يوم طلبه للبيعة، فأبى، فقال: نقتلك، فقال: إذن تقتلوا عبد الله وأخو رسول الله، قال: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسول الله فلا. وقد جرى الأعور الواسطي على سنة إمامه الغوي، ولو أمكن إنكار هذا الحديث القوي، أمكن هدم أحكام شريعة النبي، وما احتج به أن النبي صلى الله عليه وآله لم يواخ إلا بين المهاجرين والأنصار للتأليف بينهما، فلا فائدة في مواخاته لعلي فاسد بما أنه آخا بين أبي بكر وعمر، وكل منهما مهاجري. قالوا: الاحتجاج بطرقنا لا ينفعكم لفسق رجالنا عندكم، والاحتجاج بطرقكم لا تضرنا لكونكم خصومنا قلنا: هذه الطريقة تسد باب الاحتجاج بالأحاديث من الجانبين، والحق أن ما نذكره من طرقكم إنما هو إلزام لكم، ويعز عليكم [1] يريدون أبا بكر بن أبي قحافة.
[ 27 ]
أن تذكروا من طرقنا ما هو إلزام لنا. قالوا: روينا في أئمتنا ما يوافق مذهبنا، فنحن آمنا بالكل، وأنتم بالبعض فكنتم كما قال الله تعالى: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض [1]) الآية قلنا: إذا رويتم ما يوافقكم ويخالفكم، وجب الأخذ بالمجمع عليه، وإلا اجتمع النقيضان، وليس ذلك من باب الإيمان ببعض، بل هو من قبيل (يستمعون القول فيتبعون أحسنه
[2]) قال مؤلف الكتاب في هذا الباب: واخاه من بين الصحابة كلهم * والأقربين وليس ذاك بخاف فمن اعتراه الشك فيه فخارق * الاجماع حيث أتى بغير خلاف قد صار يوسف خارجا عن ملة * الاسلام إذ قذفوه بالاعساف فعليه لعن الله ثم رسوله * والمؤمنون وذا من الإنصاف ومنها ما أورده الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل وقد ادعى إجماع المسلمين عليه في رواية ابن عباس لما نزل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة
[3]) قال النبي صلى الله عليه وآله: من ظلم عليا مقعده هذا بعدي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء من قبلي، وأسنده ابن السراج في كتابه إلى ابن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وآله حتى قيل له: فكيف وليت الظالمين ؟ وسمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: حلت عقوبته علي لأني لم أستأذن إمامي كما استأذنه جندب وعمار وسلمان، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه. ولو لم يكن لنا في تعيين علي للخلافة وفي نفي غيره كافة سوى هذا الحديث لكفى وشفى، فإنه الكحلة الواحدة التي تزيل العمى، وتقمع العدا، والشربة الرائقة التي تذهب الظمأ، وتنقع الصدا، ولها بحمد الله نظائر من الآيات المحكمات [1] البقرة: 85.
[2] الزمر: 18.
[3] الأنفال: 25.
[ 28 ]
والروايات المشهورات ما في بعضه كفاية لمن طلب الحق بالدلالات، وجانب تقليد الآباء والأمهات. وقد روى ابن المغازلي الشافعي في كتاب المناقب عن أبي ذر قول النبي صلى الله عليه وآله: من ناصب عليا للخلافة بعدي فهو كافر، ومن شك فيه فهو كافر وقد شهد النبي صلى الله عليه وآله لأبي ذر بالصدق، ولولا تواتر الوصية لعلي لم يستحقوا الكفر بقول النبي صلى الله عليه وآله ولفظة (بعدي) تقتضي عموم خلافته، فكل من نازعه في أمره حكم النبي صلى الله عليه وآله بكفره، وهذا يغني عن تدقيق الانتصار، وتحقيق الأفكار فلله الحمد على رفع الحجاب، وإصابته الصواب. وقد ارتجز مؤلف الكتاب فقال في هذا الباب: قد أورد الحاكم في كتابه * شواهد التنزيل في أصحابه قول النبي تفهموا يا أمتي * إياكم أن تجحدوا نبوتي بظلمكم بعدي عليا مقعدي * فمن أتاه فهو طاغ معتدي وقد روى لنا علي الشافعي * قول النبي الأبطحي النافع يا من يناصب لعلي بعدي * خلافتي فقد أتى بجحدي وإن من يشك في توزيره * قد كتب الكفر على ضميره فهذه شهادة الخصوم * توضيح ما قد جاء في الظلوم فصل قد أوصى النبي صلى الله عليه وآله إلى علي ابتداء يوم الدار، وقد سلف، ويوم الغدير وعند الوفاة، فقد أسند الحسين بن جبر إلى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله دعا عمه ليقبل وصيته فاعتذر منها فدعا عليا فقبلها، فألبسه خاتمه، ودفع إليه بغلته، وسيفه ولامته، وأوصى إليه بين ذلك في عدة مواضع. وقد أسند الطبري إلى سلمان قول النبي صلى الله عليه وآله: لم يكن نبي إلا وله وصي فمن وصيك ؟ فقال صلى الله عليه وآله: هو خير من أترك بعدي علي بن أبي طالب.
[ 29 ]
وأسند نحوه ابن جبر في نخبه عن سفيان الثوري إلى سلمان عن عدة طرق وفي بعضها قول النبي صلى الله عليه وآله له لما سأله عن وصيه من وصي موسى ؟ قال: يوشع لأنه كان أعلم أمته، فقال: وصيي أعلم أمتي بعدي علي بن أبي طالب. و قريب منه عن ابن حنبل، وعن أبي رافع وعن زيد بن علي أن أبا ذر لقي عليا عليه السلام فقال: أشهد لك بالموالاة والأخوة والوصية. وأسند في نخبه المذكور قول النبي صلى الله عليه وآله: خلق الله مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي أنا أكرمهم عند الله، ومثلهم من الأوصياء وعلي أكرمهم على الله. وأسند الطبري إلى أبي الطفيل قول علي لأصحاب الشورى: أناشدكم بالله هل تعلمون للنبي وصيا غيري ؟ قالوا: اللهم لا، وفي كتاب المناقب لابن المغازلي مرفوعا إلى ابن عباس من قول النبي صلى الله عليه وآله: من انقض هذا الكوكب في منزله فهو الوصي بعدي، فقام فئة من بني هاشم، فرأوه في منزل علي عليه السلام فقالوا: غويت في حب علي: فأنزل الله تعالى (والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى). وأسند أيضا إلى ابن بريدة قول النبي صلى الله عليه وآله: ما من نبي إلا وله وصي ووارث وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب وفي الجمع بي الصحيحين للحميدي أنه ذكر عند عائشة أن عليا [ كان ] وصيا فقالت: سمعته من النبي حين وفاته. وأسند ابن مردويه وهو حجة عند الخصم إلى أم سلمة أنه كان لها مولى يسب في عقب كل صلاة له عليا، فقالت: ما حملك على سبه ؟ فقال: قتل عثمان وشرك في دمه، فقالت: لولا أنك ربيتني وأنت بمنزلة والدي ما حدثتك بسر رسول الله صلى الله عليه وآله اجلس فجلس فحدثته بمناجاة رسول الله له في بيتها وأنه من دخولها عليهما منعها حتى ظنت أنه قد ذهب يومها، ثم أذن النبي صلى الله عليه وآله لها، وقال: لا تلوميني فإن جبرائيل أتاني فيما هو كائن بعدي، وأمرني أن أوصي به عليا من بعدي، وكان جبرائيل عن يميني، وعلي عن شمالي، فأمرني أن آمره بما هو كائن إلى يوم القيامة، فاعذريني، إن الله تعالى اختار من كل
[ 30 ]
أمة نبيا، ولكل نبي وصيا، فأنا نبي هذه الأمة، وعلي وصيي في عترتي وأهل بيتي وأمتي من بعدي، فتاب مولاها من ذلك، وجعل يناجي الله تعالى ليلا ونهارا بالمغفرة منه. وأسند إلى أنس أنه قال: كنا نهاب أن نسأل النبي صلى الله عليه وآله فنسأل سلمان أن يسأله فقال له يوما: يا رسول الله من أسأل بعدك ؟ فقال صلى الله عليه وآله: إن أخي ووزيري و خليفتي في أهل بيتي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب، وقد سلف قريب منه و [ مسند ] إلى زيد بن أرقم قول النبي صلى الله عليه وآله: علي بن أبي طالب إمامكم ودليلكم فوازروه، فإن ربي أمرني بما قلت لكم. قال عبد المحمود: تصفحت بعض كتب ابن مردويه فوجدت فيه مائة واثنين وثمانين منقبة لعلي بن أبي طالب من النبي صلى الله عليه وآله منها تصريحاته بالنص على خلافته، وأنه القائم مقامه في أمته. كم معجز وفواضل وفضائل * لم تنتمي إلا لمجدك يا علي أصغى لها سمع الغوي وقلبه * حتى أناب فكيف ظنك بالولي فصل أنكر بعض المخالفين وصية سيد المرسلين إلى أمير المؤمنين، فقلنا: قال الله تعالى في كتابه العزيز: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين [1]) فهذه الآية نسخت بآية المواريث وجوبها فإنه قد استمر جوازها كما قرر في الأصول، وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله بالاقتداء بالنبيين وقد روى ابن حنبل وغيره أنهم نصبوا الوصيين، و سنذكر شيئا منه قريبا إن شاء الله. وأيضا فترك الوصية إن كان معصية فالنبي صلى الله عليه وآله منزه عنها، وإن كان طاعة وجب تأسي الأمة فيها، فلا فائدة في الأمر بها، ولو جاز في كل آية ظاهرها [1] البقرة: 180.
[ 31 ]
الأمر أن يراد خلافه، سقطت الأوامر، وسقطت ثمرة (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم [1]) وكيف يترك الأمة في حيرتها مع شدة شفقته عليها، وقد أثنى الله عليه في قوله: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم
[2]). إن قيل: إنما كتب الله الوصية بأمور الدنيا للوالدين والأقربين، ولمن عليه دين أو كان له طفل ونحو ذلك، أما في أمور الدنيا فلا، قلنا: الوصية بالدين أعظم، وخصوصا من النبي المرشد إلى الدين فذكر الوصية للدنيا تنبيه بالأدنى على الأعلى، فالوصية به أولى، وبالدين قد أوصى يعقوب بقوله: (يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون
[3]) وقد اعترف الخلفاء والعلماء والصدر الأول وغيره من الشعراء بوصية سيد الأنبياء. قالوا: أسند مسلم والبخاري في الحديث التاسع من المتفق عليه أن طلحة ابن مصرف سأل ابن أبي أوفى: هل أوصى النبي ؟ صلى الله عليه وآله فقال: لا، قال: فكيف كتب على الناس الوصية وأمر بها ؟ قال: أوصى بكتاب الله وفي حديث وكيع كيف أمر الناس بالوصية ؟ وفي حديث نمير: كيف كتب على المسلمين الوصية ؟ قال الحميدي: وفي الحديث زيادة لم يخرجها مسلم والبخاري ذكرها أبو مسعود وأبو بكر البرقاني وهي أن أبا بكر كان يتأمر على وصي رسول الله. فنقول: في صحيح مسلم من طرق عدة ما حق مسلم أن يبيت إلا ووصيته عنده مكتوبة وأخرجه البخاري أيضا وخبر ابن أبي أوفى الذي لم يذكر فيه الوصية بالعترة مردود لأنه لم يسنده إلى أحد ولأنه منحرف عن علي عليه السلام ولأن شهادته على نفي فلا تسمع، ولأنه خبر واحد، ومخالف للشهرة والكتاب وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله باطراح ما خالف الكتاب والسنة، وقد روته الفرقة المحقة في مواضع لا تحصى * (هامش) [1] الأعراف: 3.
[2] براءة: 128.
[3] البقرة: 132.
[ 32 ]
قول النبي صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين إن أخذتم بهما لن تضلوا أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله، وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وروى نحوه ابن حنبل في مسنده من عدة طرق، ومسلم في موضعين من الجزء الرابع من صحيحه، وفي كتاب السنن، وصحيح الترمذي، وابن عبد ربه في كتاب العقد، وابن المغازلي من عدة طرق في كتابه، والثعلبي في تفسيره في سورة آل عمران في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا [1]) ورواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين من طرق عدة. وأسند الزمخشري إلى النبي صلى الله عليه وآله: (فاطمة مهجة قلبي وابناها ثمرة فؤادي وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها أمناء ربي، حبل ممدود بينه وبين خلقه من اعتصم به نجى، ومن تخلف عنه هوى. وقد ذكر أهل التواريخ أن المأمون جمع أربعين عالما من أهل المذاهب الأربعة وناظرهم بعد أن أوثقهم من نفسه بالإنصاف لهم فأورد نصوصا من النبي صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام فاعترفوا له بالخلافة، وله في ذلك أشعار تشعر بما ذكرناه، منها ما نقله الصولي في كتاب الأوراق: ألام على شكر الوصي أبي الحسن * وذلك عندي من عجائب ذي المنن ولولاه ما عادت لهاشم إمرة * وكانت على الأيام تفضى وتمتهن خليفة خير الناس والأول الذي * أعان رسول الله في السر والعلن وروى ابن المغازلي في كتاب المناقب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله أهدي له بساط، فأجلسن عليه العشرة بعد أن ناجى عليا طويلا ثم قال: يا ريح احملينا فحملتهم، ثم قال: ضعينا، فوضعتهم على أهل الكهف، فسلموا عليهم فلم يردوا فسلم علي فردوا، فقال لهم علي في ذلك، فقالوا: لا نكلم بعد الموت إلا نبيا أو وصيا ثم قال: احملينا فحملتهم، ثم قال: أوضعينا فوضعتهم بالحيرة، فقال عليه السلام: إنكم تدركون النبي صلى الله عليه وآله في آخر ركعة فأدركناه فيها، وهو يقرأ (أم حسبت [1] آل عمران: 103.
[ 33 ]
أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا [1]). وذكره الثعلبي في تفسيره وزاد فيه: ثم صاروا في رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي فيحييهم الله تعالى ثم يرقدون إلى يوم القيامة، وروى الفرقة المحقة هذا الحديث من طرق كثيرة وقد اشتمل طاعة الريح لعلي عليه السلام كسليمان وإحياء الموتى لعيسى، وشهادتهم له بالوصية وعلم الغيب، وقد أسلفنا قول النبي صلى الله عليه وآله: لكل نبي وصي ووصي ووارثي علي بن أبي طالب. وفي حديث ابن مهدي زيادة ذكرها أبو مسعود وأبو بكر البرقاني وهي أن أبا بكر كان يتأمر على وصي رسول الله. وروى أخطب خوارزم: صاح نخل المدينة: هذا محمد سيد النبيين وهذا علي. سيد الوصيين. فهذه الآثار ليست من كتب الروافض كما تزعمون، ولا من تدليس الشيعة كما تتوهمون. إن قيل: قوله: (وصيي) لا يقتضي نفي وصية غيره، قلنا: لم أجد لغيره وصية نبي، مع أن تالي الخبر يبنى على مقدمته، ومقدمته (لكل نبي وصي) وأيضا فيجب حصر المبتدأ في الخبر، بحكم العربية ؟، فالقوم يعز عليهم أن يأتوا بخبر من طرقنا فيه قريب مما ذكرنا من طرقهم. ولقد حلف عبادة بن الصامت أن عليا كان أحق بالخلافة من أبي بكر كما أن النبي صلى الله عليه وآله أحق بالنبوة من أبي جهل، وقال: دخل أبو بكر وعمر على النبي صلى الله عليه وآله ثم دخل على أثرهما علي، فكأنما سفي الرماد في وجهه أي وجه النبي صلى الله عليه وآله وقال: أيتقدمان عليك وقد أمرك الله تعالى عليهما ؟ فقالا: نسينا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله: لا والله وكأني بكما وقد سلبتموه ملكه ثم بكى، وقال: يا علي صبرا صبرا فإذا أمنك الأمر فالسيف السيف، القتل القتل، حتى يفيئوا إلى أمر الله، فإنك وذريتك على الحق إلى يوم القيامة، ومن ناواك على الباطل. [1] الكهف: 9. (*)
[ 34 ]
وأسند الخوارزمي إلى سلمان قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: تختم تكن من المقربين جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، قال: يا رسول الله بما أتختم ؟ قال صلى الله عليه وآله: بالعقيق الأحمر، فإنه أول حجر أقر لله بالوحدانية، ولي بالنبوة، ولك بالوصية، ولولدك بالإمامة، ولمحبيك بالجنة، ولشيعة ولدك بالفردوس. وأسند ابن المغازلي الشافعي إلى أبي أيوب الأنصاري أن فاطمة دخلت على النبي صلى الله عليه وآله في مرضه، فبكت، فقال: إن الله تعالى اطلع على الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع ثانية فاختار منها بعلك، وأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصيا، نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، ومنا مهدي هذه الأمة. وفي هذا الحديث عدة فضائل أخذنا منها موضع الغرض، وأما الفرقة المحقة فروت من ذلك ما لا يحصى. وروى الشيخ محمد بن جعفر المشهدي الحائري في كتاب ما اتفق من الأخبار في فضل الأئمة الأطهار إلى الباقر، إلى أبيه، إلى جده، إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: علي بن أبي طالب خليفة الله وخليفتي، وحجة الله وحجتي، وباب الله وبابي وصفى الله وصفيي، وحبيب الله وحبيبي، وخليل الله وخليلي، وسيف الله وسيفي، وهو أخي وصاحبي، ووزيري، ووصيي، محبه محبي، ومبغضه مبغضي، ووليه وليي وعدوه عدوي، وحربه حربي، وسلمه سلمي، وقوله قولي. وأمره أمري، وزوجته ابنتي، وولده ولدي، وهو سيد الوصيين وخير أمتي أجمعين. وأسند علي بن الحسين عليه السلام أن جابرا انكب يوما على أيدي الحسنين وأرجلهما وجعل يقبلهما، فقال له رجل قرشي في ذلك، فقال له: لو علمت ما أعلم من فضلهما، لقبلت ما تحت أقدامهما، إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني يوما أن: آت بهما ! فحملت هذا مرة وهذا مرة وجئته بهما، فلما رأى تكريمي إياهما قال لي: يا جابر أتحبهما ؟ قلت: كيف لا أحبهما ومكانهما منك مكانهما ؟ فقال صلى الله عليه وآله: ألا أخبرك يا جابر بفضلهما ؟ قلت: بلى جعلت فداك قال:

نام کتاب : الصراط المستقيم نویسنده : العاملي، علي بن يونس    جلد : 2  صفحه : 34
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست