قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع الْبَصْرَةَ مَرَّ بِي وَ أَنَا أَتَوَضَّأُ فَقَالَ يَا غُلَامُ أَحْسِنْ وُضُوءَكَ يُحْسِنِ اللَّهُ إِلَيْكَ ثُمَّ جَازَنِي فَأَقْبَلْتُ أَقْفُو أَثَرَهُ فَحَانَتْ[1] مِنِّي الْتِفَاتُهُ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ يَا غُلَامُ أَ لَكَ إِلَيَّ حَاجَةٌ قُلْتُ نَعَمْ عَلِّمْنِي كَلَاماً يَنْفَعُنِيَ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ يَا غُلَامُ مَنْ صَدَقَ اللَّهَ نَجَا وَ مَنْ أَشْفَقَ عَلَى دِينِهِ سَلِمَ مِنَ الرَّدَى وَ مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا قَرَّتْ عَيْنُهُ بِمَا يَرَى مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- أَ لَا أَزِيدُكَ يَا غُلَامُ قُلْتُ بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ ثَلَاثُ خِصَالٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ- سَلِمَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةُ مَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ ائْتَمَرَ بِهِ وَ نَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَ انْتَهَى عَنْهُ وَ حَافَظَ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ- يَا غُلَامُ أَ يَسُرُّكَ أَنْ تَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ هُوَ عَنْكَ رَاضٍ قُلْتُ نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ كُنْ فِي الدُّنْيَا زَاهِداً وَ فِي الْآخِرَةِ رَاغِباً وَ عَلَيْكَ بِالصِّدْقِ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَبَّدَكَ[2] وَ جَمِيعَ خَلْقِهِ بِالصِّدْقِ ثُمَّ مَشَى حَتَّى دَخَلَ سُوقَ الْبَصْرَةِ فَنَظَرَ إِلَى النَّاسِ يَبِيعُونَ وَ يَشْتَرُونَ فَبَكَى ع بُكَاءً شَدِيداً ثُمَّ قَالَ يَا عَبِيدَ الدُّنْيَا وَ عُمَّالَ أَهْلِهَا إِذَا كُنْتُمْ بِالنَّهَارِ تَحْلِفُونَ- وَ بِاللَّيْلِ فِي فُرُشِكُمْ تَنَامُونَ[3] وَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ عَنِ الْآخِرَةِ تَغْفُلُونَ فَمَتَى تُحْرِزُونَ[4] الزَّادَ وَ تُفَكِّرُونَ فِي الْمَعَادِ- فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ لَا بُدَّ لَنَا مِنَ الْمَعَاشِ فَكَيْفَ نَصْنَعُ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع إِنَّ طَلَبَ الْمَعَاشِ مِنْ حِلِّهِ لَا يَشْغَلُ عَنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ
[1] كذا في النسخ و في بعضها« فحانت منه التفاته» و الصواب ما في النهاية و هو:
« فكانت منى لفته، هى المرة الواحدة من الالتفات».
[2] تعبده أي دعاه للطاعة أو اتخذه عبدا له. و في النسخ:« يعبدك».
[3] في بعض النسخ و البحار:« فراشكم تنامون».
[4] في البحار:« تجهزون» و هذا أنسب.