«لکنّ الإنصاف بعد
ملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها، يقتضي الجزم بأنّها في مقام بيان وظيفتهم من حيث
الأحکام الشرعيّة، لا کونهم کالنّبي والأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ في کونهم
أولى بالناس في أموالهم، فلو طلب الفقيه الزکاة والخمس من المکلّف، فلا دليل على
وجوب الدفع إليه شرعًا»[1].
وهذا الذي ذکره ـ قدّس سرّه ـ متّينٌ جدًا؛ لأنّ عدم
المناسبة بين أعلميّة رجلٍ بما جاء به الأنبياء وبين أخذ الزکاة ظاهرٌ، بخلاف
المناسبة بين الأعلميّة وبين بيان الأحکام.
إشکال المرحوم الحلّي على الاستدلال بالرواية
المذکورة
هذا؛ ولکن يُمکن أن يُقال: إنّ استشهاده ـ عليه السلام ـ بقوله
تعالى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ
لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ)[2]، بلا وجهٍ؛
لأنّه ما وجه المناسبة بين المتابعة في الأعمال، وبين الأعلميّة في الأقوال في
مقام الأولويّة؟ ولذا ذکر الشهيديّ ـ رحمه الله ـ في حاشيته على «المکاسب» أنّه رُوي
في روايةٍ أخرى: «إنّ أولى النّاس بالأنبياء أعمَلُهم بما جاؤوا»، وعلى هذا
تسقط الرواية عن الاستدلال لمکان الاضطراب في المتن؛ وذلک لأنّه على تقدير قوله «أعلَمهم»
يصحّ الاستشهاد بها، بخلاف تقدير قوله «أعمَلُهم».[3]
قلّة التأمّل و عدم البصيرة عند القائلين بضعف
سند نهج البلاغة
وأمّا [ما] رُبّما يُقال ويظهر من بعض من لا خبرة
له؛ بأنّ سند «نهج البلاغة» غير تامٍّ؛ لمکان إرسال الخطب والمکاتبات فيها، فهو
ناشٍ من قلّة التأمّل وعدم البصيرة، فإنّ السيّد الرضيّ ـ رضي الله عنه ـ أجلُّ
وأرفعُ من أن يُسند إلى الإمام ما لم يعلَم بصحّته وبصدوره عنه عليه السلام.
فالخطب والکتابات في هذا الکتاب وإن لم يُذکر أسانيدها، إلّا أنّ ذِکر الرضيّ کافٍ
في صحّة الاعتماد عليها بلا تأمّل وإشکال.
هذا
تمام الأدلّة التي يُمکن الاستدلال بها على وجوب تقليد الأعلم.