(و إن قال
أكرمه) و أكرمهم كما هو الحقّ و الصدق (فليعلم أنّ
اللّه) قد (أهان غيره) و غيرهم إذ الشيء إن كان عدمه إكراما و
كمالا كان وجوده نقصا و إهانة ف (حيث بسط الدّنيا) له أى لذلك الغير (و زويها
عن أقرب الناس منه) كان في بسطها له إهانة لا محالة.
(فتأسّي
متأسّ بنبيّه و اقتصّ أثره و ولح مولجه) الفاء فصيحة و الجملات الثلاث إخبار
في معنى الانشاء أى إذا عرف زهد النّبيّ في الدّنيا و علم أنّها دار هوان فليتأسّ
المتأسّي به 6، و ليتبّع أثره و ليدخل مدخله و يحذو حذوه و
ليرغب عنها.
(و إلّا
فلا يأمن الهلكة) لأنّ حبّ الدّنيا و التّنافس فيها رأس كلّ خطيئة جاذبة من درجات
النّعيم إلى دركات الجحيم.
و أوضح هذه
العلّة بقوله (فانّ اللّه سبحانه جعل محمّدا 6 علما
للسّاعة و مبشّرا بالجنّة و منذرا بالعقوبة) أى مطلعا بأحوال
الآخرة جميعها، فحيث آثر الآخرة على الاولى و ترك الرّكون إليها مع اطلاعه عليهما
علم أن ليس ذلك إلّا لكون الدّنيا مظنّة الهلاك، و العقبى محلّة النّجاة و الحياة،
فالرّاكن إليها متعرّض للهلاك الدائم و الخزي الأبد لا محالة.
و يظهر لك
عدم ركونه 6 إليها بأنّه حقيقت- كنايه (خرج من الدّنيا
خميصا) أى جائعا إمّا حقيقة أو كناية عن عدم الاستمتاع بها (و ورد
الآخرة سليما) من التبعات و المكاره كنايه (لم يضع حجرا على حجر) كناية عن
عدم بنائه فيها (حتّى مضى لسبيله و أجاب داعى ربّه).
قال الحسن:
مات رسول اللّه و لم يضع لبنة على لبنة و لا قصبة على قصبة، رواه في إحياء العلوم.
و فيه أيضا
قال النّبيّ 6: إذا أراد اللّه بعبد شرّا أهلك ماله في الماء
و الطّين.