و خوف اللّه
سبحانه إذا ثبت في القلب و اشتدّ يظهر أثره على البدن و على الجوارح و الصّفات.
اما البدن
فبالنّحول و الصّفار و الغشية و الزّعقة و البكاء، و قد ننشقّ به المرارة فيفضى
إلى الموت، أو يصعد إلى الدّماغ فيفسد العقل، أو يقوى فيورث القنوط و اليأس.
و اما
الجوارح فبكفّها عن المعاصي و تقييدها بالطّاعات تلافيا لما فرّط و استعدادا
للمستقبل.
و اما الصفات
فبأن يقمع الشّهوات و يكدّر اللّذات فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة كما يصير
العسل مكروها عند من يشتهيه إذا عرف أنّ فيه سمّا فتحرق الشّهوات بالخوف و تتأدّب
الجوارح و يحصل في القلب الذّبول و الخشوع و الاستكانة و يفارقه الكبر و الحقد و
الحسد بل يصير مستوعب الهمّ بخوفه و النّظر في خطر عاقبته، فلا يتفرّغ لغيره و لا
يكون له شغل إلّا المراقبة و المحاسبة و المجاهدة و الضنّة بالأنفاس و اللّحظات، و
مؤاخذة النّفس بالخطرات و الخطوات و الكلمات و يكون حاله حال من وقع في مخالب سبع
ضار لا يدرى أنّه يغفل عنه فيفلت أو يهجم عليه فيهلك فيكون ظاهره و باطنه مشغولا
بما هو خائف منه لا متّسع فيه لغيره هذا حال من غلبه الخوف و استولى عليه.
و قوّة
المراقبة و المحاسبة و المجاهدة بحسب قوّة الخوف الّذي هو تألّم القلب و احتراقه و
قوّة الخوف بحسب قوّة المعرفة بجلال اللّه تعالى و صفاته و أفعاله و بعيوب النّفس
و ما بين يديها من الأخطار و الأهوال.
و أقلّ درجات
الخوف ممّا يظهر أثره في الأعمال أن يمنع عن المحظورات و يسمّى الكفّ الحاصل عن
المحظورات ورعا، فان زادت قوّته كفّ عمّا يتطرق إليه امكان التّحريم فيكفّ أيضا عن
المشتبهات و يسمّى ذلك التّقوى، إذ التّقوى أن يترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، و
قد يحمله على ترك ما لا بأس به مخافة ما به