و قوله
(ربّ رحيم) قد عرفت جهات الاحتمال في وجه اعرابه، و
باختلافها يختلف المعنى فافهم، و وصف الرّب بالرّحمة لمناسبته بالتخفيف عن الجهلة (و دين قويم) ليس فيه أودوا عوجاج (و إمام عليم) أراد به الإمام في كلّ
زمان، و يحتمل شموله لرسول اللَّه 6 تغليبا، و ربّما يخصّ
بالرّسول 6، و وصفه بالعلم لكونه عالما بكيفيّة سلوك
مسالك الآخرة و قطع مراحلها و منازلها و الهادى فيها بما يقتضيه حكمته من القول و
العمل.
و عقّب
وصيّته بالتّنبيه على مجارى حالاته لاعتبار الحاضرين و اتّعاظ المشاهدين فقال (أنا
بالأمس صاحبكم) أى كنت صحيحا مثلكم نافذ الحكم فيكم، و صاحب الأمر و النّهى، أو
صاحبكم الذي تعرفونني بالقوّة و الشّجاعة (و اليوم عبرة لكم) تعتبرون
باشرافي على الموت و ضعفى عن الحراك بعد ما كنت اصرع الابطال و اقتل الأقران (و غدا
مفارقكم غفر اللَّه لي و لكم) هذا الكلام نصّ في علمه 7 تفصيلا
بزمان موته حسبما قدّمناه.
و تأويل
الشّارح المعتزلي له بأنّه لا يعنى غدا بعينه بل ما يستقبل من الزّمان كما يقول
الانسان الصّحيح: أنا غدا ميّت فمالى أحرص على الدّنيا خروج عن ظاهر الكلام بلا
دليل.
فان قلت:
الدّليل عليه قوله (إن ثبتت الوطأة في هذه المزلّة فذاك) فانّه يدلّ
على أنّه 7 لم يكن يقطع بموته.
قلت: هذا
الكلام من قبيل تصوير العالم نفسه بصورة الشّاك لبعض المصالح على حدّ قوله تعالى:
و كيف كان
فمقصوده أنّه إن ثبتت القدم بالبقاء في هذه الدّنيا بأن لا يؤدّي الجرح إلى الهلاك
فذاك المراد أى مرادكم، فانّه 7 كان آنس بالموت من
الطّفل بثدى امّه، أو مرادى لأنّه 7 كان راضيا بقضاء اللَّه فمع قضاء
اللَّه حياته