فقال لأصحابه: كم يساوى هذا؟ فقالوا:
لعله لو كان حيّا يساو درهما، فقال النّبي 6: و الذي
نفسي بيده الدّنيا أهون على اللَّه من هذا الجدى على أهله.
و قوله (فخلط
حلالها بحرامها و خيرها بشرّها و حياتها بموتها و حلوها بمرّها) يعني أنها
من أجل حقارتها لم تكن خيرا محضا، بل كان كلّ ما يعدّ فيها خيرا مشوبا بشرّ
يقابله، بخلاف الدّار الآخرة، فانها خير كلّها وصفو كلّها و لذلك (لم
يصفّها اللَّه لأوليائه) بل جعلهم فيها مبتلى بأنواع الغمص و المحن، و أصناف المصائب
و الحزن فمشربهم فيها رنق و مترعهم فيها روغ (و لم يضنّ بها
على أعدائه) بل أعطاهم فيها غاية المأمول، و منتهى المسئول، فحازوا نفايس
الأموال و فازوا نهاية الآمال، و ليس عدم التّصفية للأولياء و عدم الضنّة بها في
حقّ الأعداء إلّا اكراما للأوّلين و إضلالا للآخرين.
قال أبو عبد
اللَّه 7: إنّ المؤمن ليكرم على اللَّه حتى لو سأله الجنّة بما فيها
أعطاه ذلك من غير أن ينتقص من ملكه شيئا، و إنّ الكافر ليهون على اللَّه حتى لو
سأله الدّنيا بما فيها أعطاه ذلك من غير أن ينتقص من ملكه شيئا، و إنّ اللَّه
ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الغايب أهله بالطرف، و إنّه ليحميه
الدّنيا كما يحمى الطّبيب المريض.
و في رواية
اخرى عنه 7 قال: ما كان من ولد آدم مؤمن إلّا فقيرا و لا كافر إلّا
غنيّا، حتّى جاء إبراهيم فقال:
رَبَّنا لا
تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا.
فصيّر اللَّه
في هؤلاء أموالا و حاجة، و في هؤلاء أموالا و حاجة.
و بالجملة
فعدم تصفيتها للأولياء و جعلهم فيها مبتلى بأوصاف البلاء ليس إلّا ليصبروا أيّاما
قليلة و يصيروا إلى راحة طويلة، و عدم قبضها من الأعداء لهوانها عليه سبحانه