الصّرف إليه، و يمكن التّصرّف فيه بالعدل
و هو أن يحفظ حيث يجب الحفظ، و يبذل حيث يجب البذل فالامساك حيث يجب البذل بخل، و
البذل حيث يجب الامساك تبذير و إسراف، و الوسط بينهما و هو الجود و السّحاء محمود
قال سبحانه: و الّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواما،
فالوسط بين الاسراف و الاقتار هو الجود، و هو أن يقدّر بذله و امساكه بقدر الواجب.
و الواجب
قسمان: واجب بالشّرع و واجب بالمروّة و العادة، فمن منع واحدا منهما فهو بخيل، و
لكنّ المانع من واجب الشرع أبخل كالمانع من أداء الزّكاة و نفقة عياله الواجبي
النفقة، و أما واجب المروّة فهو ترك المضايقة و الاستقصاء في المحقرات، فانّ ذلك
مستقبح و يختلف استقباحه باختلاف الأحوال و الأشخاص فيستقبح من الغنى ما لا يستقبح
من الفقير من المضايقة، و كذلك من الرّجل مع أهله و أقاربه ما لا يستقبح مع
الأجانب، و كذلك يستقبح المضايقة من الجار في حقّ الجار دون البعيد، و فى الضيافة
دون المعاملة، و بالنسبة إلى العالم دون الجاهل و هكذا.
فمن أدّى
واجب الشّرع و واجب المروّة اللّائقة فقد تبرّء من البخل، نعم لا يتّصف بصفة الجود
و السّخاء ما لم يبذل زيادة على ذلك لطلب الفضيلة و نيل الدّرجات، فاذا اتّسعت
نفسه لبذل المال حيث لا يوجبه الشرع و لا يتوجّه إليه الملامة في العادة فهو جواد
بقدر ما تتّسع له نفسه من قليل أو كثير، و درجات ذلك متفاوتة غير محصورة، فاصطناع
المعروف وراء ما توجبه العادة و المروّة هو الجود، و لكن يشترط فيه أمران:
أحدهما أن
يكون عن طيب نفس و الثّاني أن لا يكون عن طمع عوض و لو ثناء و محمدة و شكرا، فانّ
من طمع في الشّكر و الثّناء ممّن يحسن إليه أو من غيره فانّه بيّاع ليس بجواد،
فانّه يشترى المدح بماله، و المدح لذيذ و هو مقصود فى نفسه و كذلك لو كان الباعث
عليه الخوف من الهجاء مثلا أو من ملامة الخلق أو دفع شرّ، فكلّ ذلك ليس من