اعلم أنّ
مدار هذه الخطبة على فصلين: أحدهما حمد اللَّه المتعال و الاشارة إلى جملة من نعوت
الكبرياء و الجمال، و الثّاني التنفير من الدّنيا و الوصيّة بالزهد و
التقوى.
اما الفصل
الاول
فهو قوله (نحمده
على ما أخذ و أعطى) أى على أخذه و إعطائه، و المراد بالاعطاء واضح، و
أمّا الأخذ فيجوز أن يراد به أخذ الميثاق في عالم الذرّ بالتوحيد و
النّبوة و الولاية كما يشهد به قوله سبحانه: و إذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم
ذرّيّتهم و أشهدهم على أنفسهم أ لست بربّكم الآية، أو أخذ عموم التكاليف أو خصوص
الحقوق الماليّة كالخمس و الزّكاة و الصّدقات، أو أخذ ما أعطاه على بعض العباد و
ابتلائهم بالفقر و المسكنة بعد الغنى و الثّروة، فانّ أخذ ذلك كلّه من العباد لما
كان فعلا جميلا منه سبحانه و تعالى عائدا منفعته إليهم و نعمة منه عزّ و جلّ عليهم
استحقّ بذلك حمدا و شكرا و إن كان في بعضها ضرر دنيويّ إلّا أنّ ثمرتها الاخروية
أعظم و جزائها أدوم.
و يحتمل أن
يكون المراد به أخذ المجرمين، و مؤاخذة العاصين، و إعطاء المحسنين، و إنعام
الصّالحين (و) نحمده (على ما أبلى و ابتلى) أى على
اختباره و امتحانه بالخير و الشّر و النفع و الضّرر، لأنّ البلاء للأولياء كرامة،
و الصّبر على المكاره و التحمل على المشاق من أفضل العبادات و أعظم القربات، و
إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب، و قد تقدّم تحقيقه في شرح الخطبة المأة و
الثّالثة عشر فتذكّر.
(الباطن
لكلّ خفيّة) أى الخبير البصير بكلّ ما يبطن و يخفى (الحاضر لكلّ
سريرة) أي العالم بكلّ ما يسرّ و يكتم، و إن تجهر بالقول فانّه يعلم السّر